بين الرغبة في خوض غمار تجارب إعلامية جديدة، والتحديات التي تواجه الشباب الإماراتي، أكد عدد من صناع «البودكاست» المحلي حاجة المجال الماسة إلى التطوير والتنوع، وإيجاد مجموعة من المعايير الواضحة لهذه الصناعة الناشئة، مناشدين باستحداث حلول ناجعة للتغلب على تحدي الاستدامة المالية لمشاريع «البودكاست» العربي، ومعالجة الافتقار إلى مجالات التدريب السليم والفعال، وذلك تماشياً مع التقرير الأول من نوعه الذي أصدره نادي دبي للصحافة أخيراً.
خطوات لابد منها
البداية كانت مع الإماراتي منصور الدرعي صاحب «مدرسة الاستثمار»، «البودكاست» المحلي الأول من نوعه في ريادة الأعمال في الإمارات، الذي اعتبر أن المصداقية رهان الاستمرارية في المجال، منوهاً بقيمة الخبرة ومراكمة التجارب في دعم صانع «البودكاست» قائلاً: «تشير الإحصاءات العالمية إلى أن 80% من صناع (البودكاست) لا يبلغون في تجاربهم الجديدة رقم 20 حلقة، وذلك في ظل نقص الإمكانات الإنتاجية العالية والحاجة إلى فرق متميزة تقود مختلف مراحل الإعداد والإنتاج والإخراج المعقدة لـ«البودكاست»، وصولاً إلى منصات التواصل الاجتماعي».
واستناداً إلى تجربته الناجحة في «مدرسة الاستثمار» التي تصدرت المنصات الصوتية في دول الخليج العربي في مجال ريادة الأعمال، أكد الدرعي أنه لم يدخل تجربة «البودكاست» إلا بعد مسيرة طويلة في مجال ريادة الأعمال زادت على 10 أعوام، راكم خلالها التجارب والمعارف والخبرات التي أهلته للارتقاء بتجربة صناعة «بودكاست» ناجح، لافتاً إلى تمكّنه من تكوين شبكة واسعة ومتنوعة من العلاقات والشراكات الثرية، وصولاً إلى ألق الجوائز، متابعاً: «حقق (البودكاست) المراكز الأولى في عدد المتابعات في الإمارات والسعودية وعُمان والبحرين، كما نال (تريندز) شهادة شركة اجتماعية من قبل هيئة المساهمات المجتمعية (معا) التي تمنح للشركات التي تعود بالنفع على المجتمع».
وحول واقع «البودكاست» في الإمارات، اعتبر الدرعي أنه مازال بحاجة إلى كثير من الدعم وخصوصاً للمواهب الإماراتية الشابة التي ترغب في خوض غماره، وتحتاج إلى من يرشدها إلى الخطوات الصحيحة والسليمة، قائلاً: «نحتاج إلى الدعم وخصوصاً من كبريات الهيئات والمؤسسات الحكومية والخاصة، وذلك لبناء بنى تحتية قادرة على صناعة (بودكاست) إماراتي يتبنى قضايا المجتمع، ويسلط الضوء على الظواهر الاجتماعية والنجاحات في شتى المجالات الإبداعية».
أفق الإعلام الجديد
من جهته اعتبر الكاتب الإماراتي، جمال الشحي، أن «البودكاست» هو «ترند» العصر الأكثر حضوراً على وسائل التواصل الاجتماعي، لسهولة تقديمه سواء على صعيد المضمون أوالإنتاج الذي ينأى بنفسه عن وسائل الإعلام التقليدية، موضحاً: «يجب الانتباه دائماً إلى شروط النجاح التي يجب أن تتوافر في (البودكاست) وتتعلق قبل كل شيء بالمحتوى الجديد المقدّم للمستمعين، والبعد المعرفي الأساسي للمقدم والضيف، وعدم انحصار التجربة فقط في تقديم الأسئلة، وإنما في تقديم المعلومة الصحيحة لمختلف شرائح الجمهور، بمستوياتها العمرية والمعرفية المختلفة»، مضيفاً: «أما تجربة (البودكاست) الإماراتي فتبدو لي أكثر تنظيماً على الرغم من أنها بدأت متأخرة، مقارنة بالدول العربية، لكنها ستكون أكثر حضوراً وتنظيماً في ظل إيجاد جهات داعمة، سواء كانت حكومية أو خاصة، إلى جانب مبادرات فردية أثبتت مع الوقت حضورها على الساحة الإعلامية لتصبح جديرة بالمتابعة، لهذا السبب يمكن اعتبار (البودكاست) الوسيلة الإعلامية الجديدة التي ستفتح آفاق الإعلام الرقمي مستقبلاً».
ورأى الشحي صاحب «بودكاست» «رواق الفكر» على قناة سما دبي، ومنصة «أوان» الرقمية، و«بوح» على منصة «يوتيوب»، أن هذه التجارب الإعلامية ستخضع مستقبلاً لنظام «فلترة» للمحتوى الهادف الذي سيكرس شرط استمراريتها ونجاحها، ووصولها الأسرع إلى الجمهور، في ظل وجود «البودكاست المرئي» والمسموع، قائلاً: «لاشك في أن (البودكاست) سيتطور إلى الأفضل وسيستقطب تجارب جديدة من مختلف التخصصات، ما سيسهم دون أدنى شك في تقديم جيل خاص له طريقته في طرح المعلومة وتلقيها، بطريقة تنسجم مع روح العصر وإيقاع الحياة المتسارع».
صناعة فتية ومتواضعة
من جهته، أكد صاحب «كرسي الإثنين» الإماراتي عبدالله النعيمي الذي اختار «البودكاست» ليكون منصته الأفضل للمراهنة على إيصال محتويات هادفة تكرّس بصمة إعلامية فريدة، أن «التجربة الإماراتية في عالم (البودكاست) لا تزال فتية ومتواضعة حتى الآن، مقارنة بالصناعة في دول خليجية وعربية أخرى»، منوهاً باحتياجاتها ومتطلباتها الراهنة التي رآها مشروطة بالتخصص وعمق التناول والعفوية، قائلاً: «يحتاج (البودكاست) إلى نوعية معينة من صناع المحتوى، وإلى مساحة من العمق والتخصص والإبداع في طريقة عرض المحتوى، ومساحة أكبر من الصراحة وجرعات إضافية من العفوية التي نفتقر إليها أحياناً كثيرة، وصولاً إلى مداخيل مالية تضمن شرط الاستدامة وتحقق أهداف الارتقاء بنوعية المحتوى من جهة، وجودة المنتج من جهة أخرى».
وتابع النعيمي: «كما تتطلب هذه الخطوة تجارب مغايرة للبودكاست الحواري. وإن كان حوارياً، فإما أن يكون متخصصاً أو يقدَّم بطريقة إبداعية مختلفة من قِبل شخصية مقبولة ومريحة تدير حوارات حقيقية، وتطرح أسئلة غير تقليدية، لذا يفضّل أن يكون صانع (البودكاست) الباحث والمعد وكاتب الأسئلة والنص والمشرف على جميع مراحل هذه التجربة التي أراها صناعة فردية وليست مؤسساتية، لذا يجب أن تشبه صاحبها»، معتبراً أن الهدف من (البودكاست) هو «صناعة الترفيه» في المقام الأول، «لذا يجب على صانع (البودكاست) أن يقدم مادة جميلة ومريحة قبل أن تكون مفيدة».
الاستمرارية والتخصص
الطبيب الإماراتي علي الهامور، صاحب «بودكاست هيلثي شات»، أكد «أن الأهم في تقديم هذه التجارب الجديدة في منطقة الخليج العربي سيظل مشروطاً بجودة الإعداد والمقدرة على التواصل مع الجمهور، والخبرة السابقة في هذا الإطار، الأمر الذي يضمن فرص الانتشار وتحقيق أهداف الجذب الأكبر، إضافة إلى قيمة اختيار المواضيع الأقرب لاهتمامات الناس وقضاياهم وانشغالاتهم»، مؤكداً شرط العفوية في تناول مختلف مراحل هذه التجربة الإعلامية الخاصة، وعدم انحيازه كمقدم لفكرة الإعداد المسبق للمحاور وأسئلة الضيف، مقابل ترك الحوار «على سجيته» ليكون أقرب إلى طبيعة ونمط «البودكاست» الذي يعكس في النهاية نمطاً حوارياً مغايراً لما يقدّم في الإعلام التقليدي.
واعتبر الهامور – استناداً إلى الإحصاءات التي أصدرها نادي دبي للصحافة في تقرير «حال البودكاست في العالم العربي» – أن هناك العديد من الفرص التي لم تتم الاستفادة منها بعدُ على الوجه الأكمل في تطوير «البودكاست» العربي بأسلوب مبدع وخلاق، قائلاً: «لاشك في أن (البودكاست) فرض نفسه كفن إعلامي ناجح على المستوى العالمي، لكننا على الرغم من البرامج و المبادرات العديدة التي أطلقت في هذا الإطار، مازلنا محتاجين عربياً إلى مزيد من التجارب الجديدة، وإلى الاستمرار في تقديم هذا النوع من المحتوى كل في مجاله واختصاصه، خصوصاً إذا اعتبرناه أرشيفاً للمعلومات يمكن اعتماده من أجل تحقيق أهداف الاستفادة».
قوة إعلامية مهمة
إلى جانب تمتعه بشغف إنشاء محتوى يغوص في حياة الناس وتسليط الضوء على سبل تجاوز التحديات، وإلهام أصحابها بخطابات تحفيزية تساعدهم على الارتقاء بالحاضر والمستقبل، ينوي صانع المحتوى الإماراتي عبدالله الأنصاري، خوض تجربة «بودكاست» متحرك جديد، يطرح من خلاله فكرة مغايرة ومحتوى فريداً ومتنوعاً مقارنة بالسائد، مؤكداً: «لا أعتبر (البودكاست) مجرد موضة عابرة أو نسخة مطورة من تجربة الإذاعة، بل قوة إعلامية مثيرة للاهتمام تبشر بمرحلة جديدة من المحتوى، سواء في الإمارات أو العالم العربي»، مشيراً إلى إسهام هذه الصناعة في تأسيس جيل جديد من الإعلاميين، ممن يتمتعون بخبرات وأساليب عمل جديدة «تواكب روح العصر، مع تنامي دور وسائل التواصل الاجتماعي التي يمكن توظيفها للترويج لتجارب (البودكاست) على نطاق واسع»، وهو الأمر الذي وصفه بأنه يقف وراء تحوّل العديد من تجارب (البودكاست) اليوم إلى مؤسسات وشركات تبث على أشهر المنصات الرقمية العالمية، وتحقق الانتشار والعوائد المالية الأعلى».