دون أي مقدمات، وأثناء مشاهدة عمل درامي يفترض أنه عائلي على منصة رقمية شهيرة، فوجئت بمشاهد غير لائقة، لا تناسب الأطفال بأي حال من الأحوال على الرغم من أن العمل باللغة العربية!
أدرك جيداً أن هذا الموقف متكرر وشكا منه آباء كثيرون، بداية من المشاهد المخجلة، وصولاً إلى الثقافات الدخيلة التي يُروج لها، بقصد تأصيلها وتمريرها في الذاكرة الإنسانية للأجيال الجديدة!
ويجب أن نتوقف ملياً أمام هذا التحدي الصعب، فحجم الأعمال الفنية التي يتم إنتاجها رقمياً مهول بكل المقاييس، ومتاح للجميع، سواء عبر شاشات التلفاز أو الهواتف الذكية والأجهزة اللوحية والكمبيوتر، وهذا يقودنا إلى إدراك أهمية التشريعات الحديثة التي سنتها الدولة لحماية الأطفال من مخاطر المحتوى الإباحي.
لا يخلو بيت تقريباً الآن من وسيلة لمشاهدة منصات الإعلام الرقمي التي تنتج وتعرض الأعمال الفنية المختلفة، سواء الأفلام أو المسلسلات وغيرهما، حتى صار المنع أمراً شبه مستحيل، كما أن حماية الأطفال أصبحت عملية صعبة ومعقدة، حتى في ظل الرقابة المشددة!
يؤكد خبراء علم نفس الطفل أن المحتوى الإباحي يؤثر في الصحة العقلية للطفل، ويضعف من قدرته على الارتباط بمحيطه، ويقوده إلى الانطواء والعزلة الاجتماعية، بل يعد سبباً رئيساً لاكتئاب المراهقين!
وشكا لي صديق لديه أطفال في سن المراهقة، أنه ضبط في هواتفهم مقاطع مخلة، لا يمكن أن تتناسب مع أعمارهم، بل إن من أصعب المواقف التي واجهته، حين أحضر له ابنه هاتفه الذكي، وطلب منه الاحتفاظ به، قائلاً بانكسار «إنه لا يستطيع أن يمنع نفسه من مشاهدة هذه الأفلام، التي يتداولها رفاقه فيما بينهم!».
لقد استحدث القانون الأخير لمكافحة الشائعات والجرائم الإلكترونية مادة بالغة الأهمية تجرم استخدام الأطفال في بث أو إعداد أو إرسال مواد إباحية باستخدام شبكة معلوماتية، موفراً بذلك حماية قانونية لهم من جرائم صارت شائعة في السنوات الأخيرة، وتهدد أمنهم النفسي والاجتماعي.
وتنص المادة رقم 35 من القانون على أنه يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن سنتين والغرامة التي لا تقل عن 250 ألف درهم، ولا تزيد على مليون درهم، أو بإحدى هاتين العقوبتين، كل من تورط في تحريض أو إغراء طفل أو ساعده على بث أو إعداد أو إرسال هذه المواد.
ومن الضروري أن ينتبه الآباء جيداً إلى هذه المادة، إذ تعد من وجهة نظري من أهم النصوص القانونية التي تتعلق بالأطفال، ويتبقى فقط أن نقوم بدورنا في حمايتهم قدر استطاعتنا، بفرض الرقابة الذكية التي لا تنفرهم منا، وتحميهم في الوقت ذاته من هذه مخاطر المشاهدة أو النشر والترويج!
كما يتحتم على الجهات الرقابية، إيجاد آلية لمنع عرض الأعمال الفنية غير اللائقة عبر المنصات الرقمية، ويكفينا ما نعانيه من المخاطر التي تحاصرنا من خلال الإنترنت!
محكم ومستشار قانوني