في الظروف العادية، كان من الممكن أن تكون عملية شراء بسيطة أو ربما وقتاً للنزهة، ولكن بعد النجاة من ثلاث هجمات صاروخية روسية على مجمع يضم شقتهم، تعتمد أليسا زوسيموفا وزوجها على موقد الغاز الجديد الخاص بهم، لمنحهم الثقة لمواجهة ما يهدد بأن يكون شتاءً قاسياً.
وتقول أليسا «أنا قلقة من ألا تكون لدينا إنارة أو تدفئة أو مياه، لمدة أسبوع أو أكثر». وكان الزوجان يتسوقان خلال عطلة نهاية الأسبوع، في أعقاب الهجمات بالصواريخ والطائرات بدون طيار، التي دمّرت ثلث البنية التحتية للطاقة في أوكرانيا، وعرّضت أكثر من مليون أسرة أوكرانية لانقطاع التيار الكهربائي.
وهزت موجة أخرى من الهجمات البلاد، صباح السبت الماضي. وفي كييف، أصبح انقطاع التيار الكهربائي
ويقول رئيس مجلس إدارة شركة «أوكرنرجو»، الموزع الوطني للكهرباء، فولوديمير كودريتسكي «تهدف روسيا إلى تدمير البنية التحتية للطاقة بالكامل في أوكرانيا»، متابعاً «يسعى العدو إلى تعطيل التدفئة، وترك الأوكرانيين من دون إنارة وتدفئة في الشتاء، عندما تنخفض درجات الحرارة بشكل معتاد إلى ما دون درجة التجمد». وتعاني جميع المناطق من الهجمات على منشآت الطاقة بطريقة أو بأخرى، وفقاً للمسؤولة في مؤسسة الطاقة الأوكرانية، أنتونينا أتوشا. وأصيبت خمس من أصل ست محطات كهرباء في الأسبوعين الماضيين، وارتفع عدد القتلى من الموظفين منذ بدء الحرب إلى 94.
ويؤكد كودريتسكي أنه ليس هناك شك في أن «هدفهم هو قطع التيار الكهربائي بالكامل».
تدمير كامل
وفي غضون ذلك، تم تقسيم نحو 1000 فني إلى 70 فريق إصلاح متنقلاً، يعملون على مدار الساعة لاستعادة نظام نقل الطاقة. وقد ساعدهم موزعو الكهرباء الأوروبيون، الذين تبرعوا بالمولدات والمحولات والمعدات الأخرى اللازمة للإصلاح. ومع ذلك، تظل مؤسسة الطاقة الأوكرانية في «حاجة ماسة» إلى معدات من جميع الأنواع لتوليد المزيد من الطاقة، كما حذرت أتوشا في مقابلة عبر البريد الإلكتروني «هناك طريقتان فقط لمنع التدمير الكامل لنظام الطاقة، دفاعات جوية أفضل أو إنهاء الحرب».
ومنذ أن أطلق الجيش الروسي العنان لغارات جوية مكثفة على مستوى البلاد ضد أهداف البنية التحتية الأوكرانية، في 10 أكتوبر، تعهدت واشنطن وعواصم حلف شمال الأطلسي (ناتو) الأخرى بتكثيف إمداداتها من عتاد الدفاع الجوي.
في كييف، لايزال هناك شعور بالأمان النسبي سائد، على الرغم من أن صفارات الإنذار عادت إلى العمل مجدداً. وخلال عطلة نهاية الأسبوع، كانت المتاجر مزدحمة بالمتسوقين، الذين ذهبوا لشراء الأشياء اللازمة في حالات الطوارئ.
وقال أندري سكوبا، وهو بائع في متجر للتخييم في كييف «لقد زاد الطلب بشكل كبير على جميع منتجاتنا منذ 10 أكتوبر، عندما شهدت العاصمة أول انقطاع كامل للكهرباء على مدار 24 ساعة بسبب الحرب»، مضيفاً «لدينا 10 مواقد غاز، لكنها بيعت جميعاً بحلول نهاية اليوم». ويقول إن الطلب الآن أعلى بـ20 إلى 30 مرة مما كان عليه من قبل.
كما أن زبائن سكوبا، هذا الشهر، ليسوا من الجمهور المعتاد لعشاق الهواء الطلق. وكان العديد من العاملين في قطاع تكنولوجيا المعلومات ذوي الدخل المرتفع من بين أولئك الذين يشترون إمدادات الطوارئ، تحسباً لتكرار ما حدث يوم السبت. وارتفع الطلب على مواقد الغاز الخاصة بالتخييم، وأكياس النوم، والملابس الدافئة، مثل الملابس الداخلية الحرارية، وجوارب الصوف.
ويوضح سكوبا «عادةً ما تكون المبيعات في هذا الوقت من العام منخفضة، لأنه موسم ممطر»، متابعاً «لكن زبائننا الآن إما مدنيون يريدون مواقد غاز للتخييم في الأقبية، أو جنود في خط المواجهة».
أكثر أماناً
ومن بين المتسوقين في متجر سكوبا، الزوجان ناستيا وفلاديمير، اللذان انتقلا من مدينة خاركيف التي تعرضت لصدمة القذائف إلى كييف، على افتراض أن العاصمة ستكون أكثر أماناً وأسهل للعمل. وأدت الهجمات الأخيرة على العاصمة، والانقطاع غير المتوقع للتيار الكهربائي، الذي استمر يوماً كاملاً، إلى تقويض شعورهم بالأمن.
ويقول فلاديمير «نأمل أن تكون هناك إنارة هذه الليلة، حتى نتمكن من تناول العشاء في المنزل»، ولكن تحسباً لأي طارئ، وضع الزوجان خططاً احتياطية لإعداد اللحم والعصيدة المطبوخة على مواقد الغاز لأصدقائهم.
وتقول ناستيا، التي تعمل في إحدى دوائر الموارد البشرية «بالتأكيد سيكون شتاءً قاسياً. وسيكون هناك المزيد من الضربات، ولن يتوقفوا، ولكنني متأكدة من أنه يمكننا تجاوزها. والشيء الرئيس هو أن نتمكن من العيش». مستدركة «سيكون الأمر صعباً».
وفي مكان آخر في كييف، يسير نيكولاي إيفانوفيتش، وهو رجل عجوز نحيل ذو شعر أبيض، بين أرفف متجر «إيبسنتر» العملاق، متجاهلاً المناشير والفؤوس وغيرها من المعدات، حتى يجد أخيراً ما يبحث عنه، موقد يعمل بالحطب. ويخطط لتثبيته في منزله الريفي، وهو منزل صيفي بسيط في الريف، حيث سيقضي الشتاء.
ويقول إيفانوفيتش «إذا لم يكن هناك الكثير من الطائرات بدون طيار، فأنا متأكد من أننا سنتجاوز الشتاء. وإذا لزم الأمر، فإن الرجال المتقاعدين مثلي سيذهبون للقتال».
■ الشعور بالأمان النسبي لايزال سائداً في كييف، على الرغم من أن صفارات الإنذار عادت إلى العمل مجدداً.
فائض الكهرباء
لم تكن إمدادات الكهرباء مشكلة في أوكرانيا حتى قبل أسبوعين. وانخفض الاستهلاك اليومي بنسبة 30% عندما بدأ الروس الحرب في البلاد، ما دفع الملايين إلى الفرار، وإغلاق العديد من الشركات. وفي الواقع، قبل اندلاع الحرب، كانت أوكرانيا تصدر فائض الكهرباء لديها إلى الدول الأوروبية المجاورة.
ولكن استهلاكها راح يرتفع أخيراً، حيث أعيد فتح الشركات، وعاد اللاجئون في أعقاب سلسلة من النجاحات في ساحة المعركة في مدن عدة، وبشّر الخريف بزيادة موسمية في استخدام الكهرباء.
الاستعداد للمستقبل
إضافة إلى الصعوبات، يسيطر الجيش الروسي على محطة «زابوريجيا» للطاقة النووية، ومحطة الطاقة الكهرومائية في «كاخوفكا»، اللتين توقفتا عن الإسهام في الشبكة الوطنية الأوكرانية.
ومع الكثير من الأضرار التي لحقت الآن بمحطات الطاقة المتبقية ومرافق الشبكة، فإن انقطاع التيار الكهربائي أمر لا مفر منه، كما يقول فولوديمير كودريتسكي، الذي يترأس مجلس إدارة مؤسسة الطاقة الأوكرانية.
وفي متجر «إيبسنتر»، كان كل شيء، بدءاً من المولدات التي تعمل بالديزل وحتى الشموع، يختفي من على الأرفف، يوم السبت، بحلول وقت الإغلاق، وكان المحل قد باع كل المولدات الكبيرة القادرة على تزويد المنزل بالطاقة، والمولدات الأصغر المناسبة للمصابيح. وتقول مديرة الجملة في المتجر، ليودميلا موروزيوك، إن الأوكرانيين «يعرفون من هو العدو، وعليهم الاستعداد للمستقبل»، متابعة «بالطبع، إنه أمر غير مريح، والناس يتوترون، لكنهم لم ينكسروا». وأمضت موروزيوك ستة أشهر من دون ماء أو تدفئة أو إنارة، في قريتها، بالمنطقة الشرقية من لوهانسك، في عام 2014، عندما دعمت روسيا جهود الانفصاليين الأوكرانيين للانفصال عن كييف.
وتتذكر تلك المرحلة، فهي تشعر بالقلق، لأن معظم أجهزتها يحتاج إلى الكهرباء. وتقول «أنا لست في حالة ذعر، ولكنني أدرك أنه سيكون صعباً».
شعور بالغضب
قال سكان في العاصمة الأوكرانية كييف، لشبكة «إن بي سي نيوز» إنهم كانوا يستعدون للنقص من خلال تخزين الشموع وأجهزة الشحن المحمولة، ومولدات الديزل، ومواقد الغاز، وحتى الملابس الداخلية الحرارية، والبطانيات الكهربائية. وقالت إيرينا فيريمينكو، التي تعيش في شقة في كييف، إنها استعدت لانقطاع التيار الكهربائي المحتمل، الأسبوع الماضي، عن طريق شحن جميع أجهزتها في الليلة السابقة، وتجنب تناول الطعام الذي يعاد تسخينه. وأضافت فيريمينكو (38 سنة)، أنها أوقفت جميع أجهزتها، وكانت تعتمد على إمدادات الغاز في شقتها للطهي أو لتسخين المياه إذا لزم الأمر.
وقالت المواطنة الأوكرانية «أشعر بالغضب أكثر من الخوف»، مضيفة أن الضربات على أنظمة الطاقة الأوكرانية تظهر يأس موسكو، الذي قالت إنه سبب إضافي يدفع أوكرانيا للمقاومة. وأوضحت الموظفة في مجال التحليل الاقتصادي، أنها كانت تستعد لوقف مؤقت للكهرباء، من خلال تخزين الأطعمة المعلبة، وإبقاء الشاحن المحمول جاهزاً في جميع الأوقات، مع موقد غاز صغير. ولديها أيضاً حقيبة نوم مصممة لدرجات حرارة أقل من الصفر، وبطانية حرارية، وحتى ملابس الثلج، في حالة استمرار انخفاض درجات الحرارة، واستمرار الضربات الروسية على أهداف الطاقة.
وتظهر التوقعات الحالية أن الزئبق في العاصمة الأوكرانية، خلال الأسبوع المقبل، من غير المرجح أن يرتفع فوق 10 درجات مئوية.
وقال النائب الأوكراني وعضو لجنة الطاقة البرلمانية، يوري كاملشوك، لشبكة «إن بي سي نيوز»، إن الأوكرانيين يتأقلمون، وحتى إذا أصبح انقطاع التيار الكهربائي متكرراً «نحن نعرف ما الذي نعاني من أجله». وقال كاملشوك «هذا كله من أجل الاستقلال الحقيقي والتحرر».
عمال يتفحصون إمدادات الطاقة الكهربائية. أرشيفية