في قرية «فرخة» الواقعة إلى الجنوب من سلفيت في الضفة الغربية، استطاع السكان إنشاء نموذجهم الخاص بهم من التضامن الاجتماعي، والاكتفاء الذاتي في الطعام، من خلال الزراعة، والذي يطلقون عليه تقليدياً اسم «العونة». وساعدهم هذا النموذج الطموح على تعزيز استقلاليتهم من خلال اعتمادهم بشكل أقل على إسرائيل والسلطة الفلسطينية. واستطاع السكان في هذه القرية التي تقع على بعد 21 ميلاً شمال غرب رام الله، إنشاء 230 حديقة منزلية خلال السنوات القليلة الماضية، حيث يقوم السكان بزراعة المحاصيل وتربية الماشية في ساحات منازلهم الخلفية، وتوزيع الجهد بين أفراد الأسرة بالتناوب.
جيل الألفية
ويعود الفضل في إحياء «العونة» إلى جيل الألفية الذين دخلوا السياسة المحلية، وبعد سنوات من العمل التطوعي، استطاع هؤلاء الشباب السياسيون المستقلون تقديم خدمة للمجتمع بإحيائهم طريقة اندثرت، للحياة الزراعية في الضفة الغربية، والتي كانت ذات يوم طريقة مستدامة للاعتماد على الذات.
ويقول رئيس بلدية «فرخة»، مصطفى حماد: «قد يقول آخرون إن التطوع لن يستغرق سوى القليل من وقتك، لكن الأمر ليس كذلك في (فرخة)». ويضيف أن التطوع في هذه القرية «يعني العمل والوقت والجهد، وفي نهاية المطاف، هناك نتائج حقيقية، والجميع يظلون أقوى من خلال التعاون».
ويعود تاريخ العمل التطوعي الحديث لـ«فرخة» إلى ثمانينات القرن الماضي، عندما أطلق شباب القرية الذين شاركوا في معسكرات تطوعية، أطلقوا عليها مهرجانات التطوع نظمها عمدة الناصرة آنذاك، توفيق زياد، بطل العمل المجتمعي. ومنذ عام 1991، ظل الآلاف يشاركون في مهرجان فرخة الدولي للشباب، حيث ينفذ المتطوعون الأشغال العامة في جميع أنحاء القرية، ويتعلمون مهارات جديدة. وابتداءً من عام 2017، بدأ الشباب الذين ترشحوا لمجلس القرية المحلي، وفازوا بمقاعد، تطبيق خبراتهم التطوعية على نطاق أوسع وصاغوها على شكل سياسة عامة. وفي إطار المخطط التطوعي البلدي يستعرض مجلس قرية فرخة من وقت لآخر المشروعات الأسبوعية، وفي غضون ساعات يتعهد الناس بوقتهم وأموالهم وموادهم لتنفيذها.
صيانة المدارس والشوارع
وعلى مدى السنوات الخمس الماضية، تم إجراء صيانة للمدارس والشوارع على مدار العام وتمويلها ذاتياً من قبل المجتمع؛ ولم يعد السكان ينتظرون السلطة الفلسطينية لتتصرف. وقام السكان بتجديد مركز فرخة التاريخي والمنازل الحجرية العثمانية، وإعادة بناء جزء من مدرسة ثانوية، وإنشاء ملعب لكرة القدم، وبناء أول مركز للأطفال في القرية، وتطوير مزرعة بيئية. وعندما بدأ الناس يشعرون بقيمة الأماكن العامة والمرافق الخاصة بهم، بدأوا في الاعتناء بها. وصاروا يدركون أن الملكية «الخاصة» ليست أكثر أهمية من الملكية «العامة»، بل أدركوا في الواقع أن الأماكن العامة أكثر أهمية، وكما يقول حماد «التطوع أصبح ثقافة هنا».
عندما انتشر وباء «كوفيد-19» وتعرضت معظم المصالح للإغلاق، قام أعضاء مجلس القرية بتزويد السكان بالشتلات والبذور لإدارة نقص الغذاء، والتشجيع على العودة إلى جذورهم الزراعية. وبدأ البعض يزرع السبانخ والبطاطس، ولجأ سكان آخرون لتربية الدجاج أو الأغنام، ليقدموا البيض والحليب لبعضهم بعضاً، واستطاعوا بذلك العودة إلى فترة ما قبل الانتفاضة الأولى قبل 35 عاماً، عندما كانت القرية تعتمد على نفسها تماماً في الغذاء.
ولمساعدة الناس على العودة إلى الزراعة تولى مجلس قرية فرخة توزيع المياه على المزارعين مباشرة دون رسوم الخدمة التي تتقاضاها السلطة الفلسطينية عادة، وأتى هذا الجهد أُكله، فعلى سبيل المثال أجرى المهندس الزراعي، غازي الشريف، دراسة الجدوى الاقتصادية الخاصة به واستطاع مع انخفاض تكاليف المياه الجديدة، زراعة الخضراوات في بيوت بلاستيكية.
الآن، يركز مجلس القرية على حفر بئرين ارتوازيين كبيرين لجعل القرية مستقلة تماماً في المياه. ومن المتوقع أن تخفض الآبار الجديدة تكاليف المياه لمزارعي وسكان فرخة بمقدار النصف. وتم التخطيط لمشروع طاقة شمسية يهدف لجعل «فرخة» مستقلة تماماً عن شبكة الكهرباء العامة. ويقول حماد: «لا يمكننا تحقيق الاكتفاء الذاتي بنسبة 100٪ في جميع المجالات خلال السنوات الأربع المقبلة، ولكن يمكننا أن نصبح مكتفين ذاتياً تماماً في بعض المجالات». ويختتم بقوله: «إذا كان بإمكانك خفض تكاليف المياه للناس فستشجعهم على الزراعة، وإذا شجعت الناس على الزراعة، فسيكون لديك أمن غذائي ومصدر للدخل، لذلك لا يشعر الناس أن خيارهم الوحيد هو العمل في المستوطنات في الأراضي المحتلة».
• التطوّع في قرية «فرخة» يعني العمل والوقت والجهد، وفي نهاية المطاف، هناك نتائج حقيقية، والجميع يظلون أقوى من خلال التعاون.
• منذ عام 1991، ظل الآلاف يشاركون في مهرجان فرخة الدولي للشباب، حيث ينفذ المتطوعون الأشغال العامة في جميع أنحاء القرية، ويتعلمون مهارات جديدة.