
لم يكن فرانك جازولا مجرد مصور مغامر، بل إنه رجل استجاب لنداء البحر منذ أكثر من 10 سنوات، وغاص في أعماقه، مسجّلاً بعدسته تحولاته الحيوية والبيولوجية، وصار واحداً من أبرز المصورين البيئيين الذين وهبوا حياتهم لرصد الجمال الهش تحت الماء، والتحذير مما يهدده.
وفي حديثه خلال جلسة ضمن مهرجان التصوير الدولي «إكسبوجر» 2025، الذي ينظمه المكتب الإعلامي لحكومة الشارقة، استعاد جازولا لحظة التحوّل الأولى في مسيرته، قائلاً: «كان لقاءً عابراً مع مصور شهير، أعلنت أمامه عن رغبتي في أن أصبح (مصوراً مهماً)»، فدعاه الأخير للانضمام إلى مشروع استكشاف في غرينلاند، إلا أنه لم يكن يعلم آنذاك أن تلك الدعوة ستغير مجرى حياته، وتأخذه إلى حيث لا نهاية للمغامرة.
ويقول جازولا: «منذ ذلك الحين لم أنفصل عن اللون الأزرق، فهو يحيطني، ويسكنني، ويدفعني لمواصلة التوثيق، ليس فقط لحياة المحيطات، بل أيضاً للآثار التي يتركها الإنسان عليها بسبب السياسات البيئية غير الرشيدة». وهكذا امتزج شغفه بالمغامرات بمهمة أعمق وهي الدفاع عن الكوكب، عبر عدسة تكشف للعالم ما يجري تحت سطح الماء.
وتحدث جازولا عن أحد أكثر تجاربه تحدياً: «مكثت شهراً في القطب الشمالي أمارس الغطس في المياه المتجمدة. كان ذلك شاقاً للغاية، ولكنني لم أتمكن من التوقف، لأنني أحب ما أفعله». ولم تكن تلك المغامرة الوحيدة، فقد جاب ألاسكا أكثر من مرة، وواجه الدببة القطبية وجهاً لوجه. وأفاد: «كان يمكنني أن أبتعد عن المخاطر، لكنني لم أفكر يوماً في التراجع. هذا الشغف يجذب محبيه حتى النهاية».
في مسيرته الممتدة، جاءت لحظة فارقة حين نشرت مجلة «ناشيونال جيوغرافيك» أول صورة التقطها بعدسته، حيث يقول: «كانت نقطة تحول كبرى، أعطتني الأمل في تنفيذ مشروعات بيئية ضخمة، من بينها مشروع لدراسة الشعاب المرجانية أطلقت عليه اسم (الأمل العميق)، ليجمع بين معنى الطموح واستكشاف الأعماق».
سرد مختلف
وفي خطاب مُلهم خلال اليوم الأول من فعاليات «إكسبوجر 2025»، سلّطت المصوّرة الإسبانيّة ليز أرانجو الضوء على قضيّة الجوع كأزمة إنسانيّة معقدّة تتطلب سرداً مختلفاً، وكشفت عبر مشاريعها الوثائقيّة عن الجوانب الخفيّة لهذه الأزمة من خلال توثيق قصص شخصيّة وجماعيّة للمتضررين من انعدام الأمن الغذائي حول العالم، مؤكّدة على دور التصوير في إعادة تشكيل الوعي العالمي حول هذه الأزمة الإنسانيّة، موظفة الإثارة البصريّة لتصوير الحقائق اليوميّة.
«لا يمكنك أن ترى الأطفال وهم يموتون جوعاً».. بهذه الكلمات القوية استهلّت المصورة المعروفة بسرد القضايا البيئية والاجتماعيّة حديثها، وأضافت: «قد نختبر الجوع لبضع ساعات قبل وجبة الطعام، لكنّه شعور مؤقت وسرعان ما يزول، أما الجوع الذي أتحدث عنه فهو معاناة مستمرّة لا تقتصر على إحساس عابر بل تترك بصمتها العميقة على الجسد والعقل»، مؤكدةً على ضرورة تبني طريقة مختلفة لسرد قصة الجوع.
عالم الفطر المذهل
«لو أراد الفطر أن يتكلم فما الذي سيقوله؟».. بهذا السؤال بدأ المصور الشهير أغوراستوس باباتسانيس خطابه، حيث كشف عن عالم الفطر المذهل الذي لايزال غامضاً للكثيرين. وأوضح كيف يمكن للصورة أن تمنح الفطر صوتاً بصرياً يروي قصصاً غير معروفة عن الطبيعة، مشيراً إلى أن هذا النبات الفريد، رغم كونه مألوفاً، يخفي وراءه عوالم من السحر والجمال والتنوع البيئي، مؤكداً أن تصوير الفطر يتجاوز كونه توثيقاً لنبات إلى رحلة بصرية تسد الفجوة بين الفن والعلم، وتقدم منظوراً جديداً للطبيعة من خلال عدسة المصور.
جاء ذلك في خطاب بعنوان «سحر الفطر» ضمن فعاليات المهرجان الدولي للتصوير، حيث استعرض باباتسانيس خلال حديثه مسيرته في توثيق الفطر منذ عام 1990، متحدثاً عن الجولات الاستكشافية التي خاضها، والأبحاث التي شارك فيها، وتضمنت فحص الفطر تحت المجهر، إلى جانب ترجمة وكتابة العديد من الكتب حول هذا المجال.