لا تبدو تجربة مريم الجنيبي التي غيّرت بوصلة مسارها الأكاديمي من الهندسة الكيميائية إلى كلية الزراعة في جامعة الإمارات تجربة عادية، إذ تحملت أعباء هذا الاختيار ومسؤولياته لتواصل مسيرتها الأكاديمية بالحصول على درجة الماجستير التنفيذي في إدارة الأعمال من الجامعة الأميركية في دبي.
ونجحت المهندسة الزراعية الإماراتية في تطوير مهاراتها لتسجل بصمتها الواضحة في مجال الاستدامة، مراهنة على المساهمة في بناء مجتمع واعٍ بمجالات الزراعة المستدامة وممارساتها بشكل خاص، بدءاً من حسن إدارة المخلفات وإعادة تدويرها، إلى توفير المياه والطاقة الكهربائية بأنسب الطرق وأفضل الممارسات.
الحكاية من البداية
وكشفت المهندسة مريم في مستهل حوارها مع «الإمارات اليوم» أن حبها للطبيعة لم يقدها في البداية إلى اختيار مجال الزراعة، إلا أن الصدفة غيرت مسارها الأكاديمي بالكامل لتقودها إلى هذه التجربة المغايرة التي سجلت فيها حضورها في مجال الاستدامة.
وقالت: «كنت في البداية بكلية الهندسة، ولكن فرصة السفر مع وفد من الجامعة للمشاركة بورقة بحثية في (منتدى البيئة) الذي نظم آنذاك في دولة قطر، غيّرت بوصلة اهتماماتي، وفتحت أمامي أفقاً واعداً لاكتشاف مجال البيئة والطبيعة والغوص في أسرارها، فقررت الانتقال من الهندسة الكيميائية إلى كلية الزراعة».
وتابعت مريم: «كانت كلية الزراعة متميزة بكل المقاييس، ضاجة بالحياة وبتجارب الاكتشافات والأفكار الخلاقة التي دفعتني لاختيار مساق إدارة الأعمال الزراعية، ومواصلة دراستي بنجاح وصولاً إلى التخرج، ثم دخولي معترك الحياة المهنية في وزارة التغير المناخي والبيئة لأتدرب على يد خبير بيئة ألماني مكلف بتطوير قطاع الزراعة العضوية في الإمارات؛ فكانت هذه التجربة فرصة ثمينة شهدت فيها مختلف مراحل تحويله للأرض الرملية إلى تربة زراعية دون أي مواد كيميائية، فسحرتني هذه التجربة التي قررت تحويلها إلى مشروع زراعي إماراتي».
اختيار الطريق
بعد ثلاث سنوات من التعلم والخبرة في الوزارة، لم تتخل المهندسة مريم عن حلم الارتقاء بتجاربها ونشر ثقافة الاستدامة التي اجتذبتها، فقررت السير في هذا الطريق، والانخراط في خطوة ريادة الأعمال عبر إطلاق مشروع «نبتة» المسؤول عن استصلاح الأراضي، وتهيئتها للزراعة العضوية، ونشر مفهوم الاستدامة الزراعية.
وأوضحت: «دخلت هذه التجربة مع شريكي جمال المهيري الناشط في المجال والمولع بالزراعة، عبر تحويل تجربة مجموعة (نبتة) التي أطلقها على (واتس أب) إلى مشروع تجاري لتعليم أصحاب المزارع مهارات الزراعة العضوية، وبيع مختلف المدخلات الزراعية من أسمدة ومبيدات عضوية وبذور (هيرلوم سيدس) العضوية المتوارثة التي يمكن زراعتها لخمس سنوات متواصلة، بالإضافة إلى توفير أنظمة (أوتوبوت) الزراعية التي تعمل دون طاقة ودون استخدام الكهرباء أو الطاقة الشمسية، وتعتمد على الجاذبية والخاصية الشعرية للنبات فقط».
رؤية
تفخر المهندسة مريم اليوم بشراكتها في «نبتة» الذي رفعت فيه سقف طموحاتها في بناء مجتمع زراعي واعٍ، مضيفة «الحمد لله بعد سنوات طويلة من العمل والمثابرة وصلنا إلى شريحة واسعة من المهتمين بالزراعة العضوية من أصحاب البيوت: المزارعين والشركات، لننجح في مساعدتهم على استصلاح أراضيهم بطرق مستدامة، فيما دخلنا بنجاح في مجال الزراعة المنزلية وتفوقنا فيها، ما يشعرنا اليوم بالسعادة والفخر ليس بتجارب نشر الزراعة العضوية فحسب، وإنما بتغيير نظرة الناس لها وتنفيذها بطرق مستدامة عبر تقليل التكاليف العامة، واستخدام أنظمة ذكية ونشر ثقافتها بشكل أوسع بين الجمهور من خلال جهود الشركة الحثيثة في تنظيم ورش تدريبية دورية للطلاب في الإجازات حول كيفية إدارة المزارع الخاصة والمحال، وتأهيلهم لتجارب إدارة مشاريعهم الزراعية، وتعلم أصول الزراعة العضوية».
طموحات
رغم ما حققته المهندسة مريم، الشريك المؤسس لمشروع «نبتة» من تحول في المجال الزراعي، فإنها مازالت متمسكة بتحقيق الأفضل، مؤكدة «نتمسك بطموحاتنا ونراهن في مشروعنا على تحقيق المزيد في الوقت الذي نحرص باستمرار على متابعة جديد المجال في الخارج ودراسة مدى مطابقة تفاصيله ومنتجاته لأهدافنا الزراعية وبيئتنا في الإمارات، كما نتمسك في مشروعنا بشروط القيمة الغذائية لمنتجاتنا ونحرص على فاعليتها، وأدمجنا في هذا الإطار صنفاً من أصناف البطاطا التي تتحمل الحرارة ولا تحتاج كميات كبيرة من الماء، كما استوردنا بعض أنواع المحاصيل ذات القيمة الغذائية العالية من فيتاميني (سي) و(أ)، وتأكدنا من تعلم المزارعين طرق حفظها للاستفادة منها لاحقاً».
تحول جذري
أعربت المهندسة الزراعية مريم الجنيبي عن سعادتها بتنامي الوعي العام بقيمة وأهمية الزراعة العضوية على عكس ما كان من قبل، موضحة أنه «في 2012 تعالت أصوات معارضة لتجربة الزراعة العضوية أما اليوم فأيقن الجميع قيمة المنتجات العضوية وحرصوا على استهلاكها، وهذا أكبر دليل على التحول الجذري والتأثير الذي سجلناه ومازلنا في مجال الزراعة والارتقاء بالثقافة الغذائية للناس عبر تشجيع الزراعة المستدامة».
• بعد سنوات طويلة من العمل والمثابرة، وصل مشروع «نبتة» إلى شريحة واسعة من المهتمين بالزراعة العضوية.
• نتمسك بطموحاتنا ونراهن في مشروعنا على تحقيق المزيد، ونحرص باستمرار على متابعة جديد المجال.