
حدث ذلك الموقف مع طالبة الطب الشابة، نسرين العسكري، في سبعينات القرن الماضي، أدى إلى تغييرها إلى الأبد، فبعد أن سألت أمّ الصبي المريض أسئلة روتينية عدة عن تاريخ العائلة، غضبت الأم، وقالت، بعد أن خلعت الشال الملون وأشارت إلى التطريز المعقد الذي يرمز إلى كل شيء، بدءاً من مجتمع المرأة إلى حالتها الاجتماعية، وتعداد أطفالها: «معظم الأجوبة عن أسئلتك التافهة موجودة هنا»، وأضافت المرأة موجهة كلامها إلى العسكري: «أدرك أن طفلي مريض للغاية وأنه سيموت، وعندما يرحل سأذهب إلى المنزل وأفك إحدى هذه الزهرات السوداء في الشال الذي أرتديه».
وكانت هذه أول تجربة للعسكري مع الأقمشة المزخرفة بإقليم السند في جنوب شرق باكستان، والقصص والسِّيَر الذاتية والتاريخ المنسوج فيها، وأثار ذلك فضولها الذي تحوّل إلى شغف دائم بجمع المنسوجات الفريدة التي تصنعها المجتمعات المتنوعة في السند، ومحاولتها فهم الحكايات الموثقة في القماش.
وبعد مرور 50 عاماً، قامت العسكري بجمع نحو 1000 قطعة من هذا القماش المزخرف، وهي أكبر مجموعة من نوعها، حيث جعلتها الأساس لأول متحف مخصص للأقمشة في باكستان، الذي افتتحته مع زوجها حسن، الأمين السابق للمتحف البريطاني، بكراتشي في ديسمبر الماضي، وقالت العسكري: «نأمل أن يأتي الناس إلى هنا للمشاركة، وربما حتى للإعجاب بالإمكانات التي يمكن أن تقدمها تقاليدنا الفنية».
وقالت العسكري إن تقاليد الأقمشة في السند كانت بين الأقدم من نوعها في العالم، حيث تعود إلى قرون عدة إبان حضارة وادي السند القديمة في جنوب آسيا، التي كانت تتركز بالإقليم، وفي انعكاس لجغرافية المنطقة، التي لها تاريخ طويل في كونها مفترق طرق تجارية بين الشرق والغرب، قالت إن الأقمشة السندية التي جمعتها تمثّل توليفة فريدة من التقاليد التي تمتد ليس فقط إلى باكستان، وإنما أيضاً إلى الصين والهند وإيران وآسيا الوسطى.
وتم نسج الأقمشة الموجودة لدى مجموعة العسكري بوساطة النول اليدوي، كما أنها مصنوعة من خلال استخدام الصباغ الطبيعي الذي يتم الحصول عليه من الجذور والأزهار، وهي تقاليد لاتزال مستمرة في القرى الصغيرة، والمجتمعات البدوية في السند، مع أنها تضاءلت في وجه الحداثة.
واعتبرت العسكري، التي عاشت بين باكستان والمملكة المتحدة، نفسها سفيرة للتقاليد الثرية للقماش الباكستاني، التي لطالما تم إهمالها، وعندما تمت دعوتها للإشراف على أحد أول المعارض الدولية للأقمشة الباكستانية في متحف «فيكتوريا وألبرت»، حقق المعرض – الذي حمل عنوان «ألوان نهر السند» المأخوذ من مجموعة وهبها للمتحف محسن باكستاني وظلت منسية حتى نبشتها وأخرجتها العسكري من الأرشيف – نجاحاً كبيراً، ومنذ ذلك الحين نشرت العديد من الكتب التي تبحث في تاريخ النسيج المتنوع في المنطقة.
وكانت العسكري تفكر في التبرع بمجموعتها الخاصة، التي تراكمت لسنوات بصناديق في منزلها، لمتحف فيكتوريا وألبرت، لكنها غيّرت رأيها.
وقالت العسكري: «أدركنا أنه لو قدمنا المجموعة لمتاحف مثل (فيكتوريا وألبرت) فستنتهي بها الحال إلى التخزين في الأقبية لسنوات عدة، وربما يتم عرضها على الناس مرة كل 10 سنوات»، وأضافت: «لهذا فكرت في افتتاح متحف خاص بنا في السند، يمكن أن يُثري فهم الناس هنا لتراثهم، فهي طريقتنا لسدّ الدَّين لكل أولئك الذين لعبوا دوراً مهماً في الإسهام بهذه المجموعة».
وأُطلق على المتحف اسم «هافيلي»، ويضم خمس صالات تعرض أنواعاً مختلفة من التطريز التي تمكنت العسكري من جمعها من بعض الأماكن القصية في باكستان، التي تراوح بين الملابس الاحتفالية التي يرسلها العريس تقليدياً إلى العروس قبل حفل الزواج، وحقائب مهر العروس، والزينة التي يتم تزيين الحيوانات بها كالإبل.
ويأمل الزوجان إرسال رسالة قوية، من خلال الحفل الافتتاحي للمتحف، الذي يحمل عنوان «معطف من ألوان عديدة»، والذي يحتفل بشكل واضح بإسهامات الأقليات الهندوسية في تقاليد النسيج في السند.
وقال حسن: «نحن نؤمن بشدة بالاعتراف بالإسهامات التي قدمتها الأقليات للتقاليد النسيجية في السند لإظهار أنها لم تُنس».
وأكد حسن أن المتحف «لم يكن يتحدث عن عرض المهن اليدوية فقط، وإنما من أجل نشر بيان إنساني»، وأضاف: «نأمل أن نوضح بأنه عندما يتعلق الأمر بالحِرف اليدوية، فإن هذه الانقسامات الدينية والطائفية تصبح بلا معنى، فهذه المنسوجات كانت جزءاً من مجموعة واحدة تاريخياً». «عن الغارديان»
• 1000 قطعة من القماش المُزخرف تمثّل توليفة فريدة من التقاليد.