بعد الاضطرابات الانتخابية في يونيو ويوليو، لم يتصور سوى قِلة في فرنسا أننا سندخل شهر سبتمبر دون تعيين رئيس وزراء جديد يعكس نتائج الانتخابات البرلمانية التي جرت في الشهر الماضي. وعندما دعا الرئيس إيمانويل ماكرون بشكل غير متوقع إلى انتخابات مبكرة في يونيو، كانت الحكمة السائدة هي أن اليمين المتطرف سيفوز، بل إن العديد منا اشتبهوا في أن ماكرون يفضل مثل هذه النتيجة كي تتلطخ سمعة رئيسة حزب التجمع الوطني، مارين لوبان، ولا يستطيع حزبها ممارسة السلطة، وبالتالي تقل احتمالات فوزها بالرئاسة في عام 2027. وسواء كانت هذه خطته أم لا، فإن الدعوة إلى التصويت كانت مقامرة خطيرة اتخذت منعطفاً غير متوقع، حيث وضعت ائتلافاً يسارياً مؤقتاً في المرتبة الأولى بأكبر عدد من الأصوات، ولكن من دون الأعداد اللازمة لبناء أغلبية عاملة في البرلمان.
ويعهد الدستور الفرنسي للرئيس بسلطة تعيين رئيس الوزراء، وبموجب الأعراف غير المكتوبة للجمهورية الخامسة، يتم اختيار رئيس الوزراء من مجموعة الأغلبية في الجمعية الوطنية.
لقد استقال رئيس الوزراء المهزوم غابرييل أتال بعد الانتخابات، لقد هبط الناخبون بشعبية الإدارة الوسطية التي يرأسها إلى المركز الثاني، لكن الرئيس رفض قبول استقالة أتال واحتفظ بالحكومة المنتهية ولايتها وعهد إليها بدور تصريف الأعمال، مدعياً أن الاستقرار يتطلب ذلك، ومنذ ذلك الحين حكمنا وزراء استقالوا فعلياً، وهو وضع غير مسبوق تماماً في فرنسا.
لقد فاز العديد من أعضاء البرلمان الحاليين بمقاعدهم في يوليو بفضل «الجبهة الجمهورية»، وهي استراتيجية تصويت تكتيكية وافق بموجبها المرشحون المعارضون لحزب مارين لوبان على الانسحاب في سباقات الدوائر الانتخابية الثلاثية لإبقاء أقصى اليمين خارج السلطة. كانت هذه الاستراتيجية التي التزم بها اليسار في الغالب أكثر فائدة لحزب ماكرون على الرغم من أنها لم تمنعه، بمجرد انتخابه بأمان، من استبعاد العمل مع حزب فرنسا المتمردة، القوة الرئيسة على اليسار، كونه متطرفاً للغاية و«مشعاً» وغير قادر على الحكم.
صحيح أن التحالف اليساري، الجبهة الشعبية الجديدة، استغرق بعض الوقت للاتفاق على مرشح لمنصب رئيس الوزراء، لكن في نهاية المطاف اختارت المجموعة لوسي كاستيتس، وهي موظفة مدنية تبلغ من العمر 37 عاماً، وغير معروفة للعامة لكنها تتمتع بسجل قوي في الدفاع عن الخدمات العامة.
ولكن ماكرون رد على ذلك بإجراء مقابلة رفض فيها الاقتراح الذي قدمه اليسار، مضيفاً أن «أحداً لم يفز» في الانتخابات وأن «من غير الصحيح أن نقول إن الجبهة الشعبية الجديدة لديها أي نوع من الأغلبية»، ثم أعلن من جانب واحد عن «هدنة أوليمبية»، ما يعني أن فرنسا يجب أن تنتظر حتى بعد الألعاب الأولمبية (ولكن ليس الألعاب البارالمبية بشكل غريب) لتشكيل حكومة. إن رفض الرئيس تعيين رئيس وزراء جديد من اليسار يُظهر غطرسة مذهلة ويقوض ديمقراطيتنا.
بدأ ماكرون أخيراً مشاورات مع زعماء التجمعات السياسية الرئيسة بعد ستة أسابيع من نتائج الانتخابات، وإدراكاً لصورتها المتطرفة وافقت الجبهة الشعبية الجديدة على الانسحاب من الحكومة المحتملة حتى لا تكون عبئاً على الائتلاف.
ولكن عندما انتهت المحادثات أصدر الرئيس بياناً أعلن فيه أنه لن يعين رئيس وزراء من اليسار، مدعياً أنه من دون الأغلبية في الجمعية الوطنية سيواجهون تصويتاً بحجب الثقة، وباسم «الاستقرار المؤسسي» اقترح استكشاف إمكانية تشكيل ائتلاف وسطي بدلاً من ذلك.
وكان هذا تصريحاً صادماً وخطيراً ومثيراً للدهشة بما يحمله من غطرسة من قبل ماكرون وتجاهله لعملياتنا الديمقراطية، فلا عجب أن العديد من الأصوات من حزب الحرية الوطني أدانته ووصفته بأنه «عار» و«استيلاء غير مقبول على السلطة»، وحتى الرئيس السابق فرانسوا هولاند، وهو الآن عضو في البرلمان عن حزب الحرية الوطني، وليس معروفاً بأنه متطرف، انتقده باعتباره «خطأ مؤسسياً».
لا يُفترض أن يكون الرئيس فوق السياسة الحزبية فحسب، بل إن فصل السلطات لا ينبغي أن يسمح له بالتدخل في تشكيل الأغلبية. وفي وقت سابق من الصيف كشفت حاشية ماكرون أن الرئيس كان يرفض حتى أي تغييرات جوهرية في السياسة.
لقد خرج الفرنسيون للتصويت في الانتخابات غير المتوقعة (التي لجأ العديد منهم فيها إلى التصويت بالوكالة) بأعداد لم نشهدها منذ عقود، وكانت النتيجة واضحة: رفض الناخبون ماكرون وصوتوا للتغيير، ونظراً للحسابات البرلمانية لا يمكن لأي من الكتل المنتخبة الرئيسة الثلاث بناء أغلبية حاكمة بمفردها، ولكن ليس من حق الرئيس أن يقرر أي منها يستحق الحكم، فلماذا يريد أن يفرض علينا من يرأس حكومتنا؟
إننا نعيش في وقت غير مسبوق حيث لاتزال الحكومة المنتهية ولايتها تتخذ قرارات كبرى. إن ماكرون الذي روج لنفسه ذات يوم للناخبين الفرنسيين باعتباره مصلحاً سياسياً من شأنه أن يهز النظام الذي كان يخذلهم، يتصرف الآن مثل ملك جمهوري يستخدم ذريعة «الاستقرار» لإنكار عمل ديمقراطيتنا.
كان ينبغي لماكرون أن يكون زعيماً، وبدلاً من ذلك أصبح رئيساً استبدادياً تستمر شعبيته في الانحسار، ولا يمكننا أن نقبل مثل هذا السلوك في الديمقراطية، لقد كان الناخبون الفرنسيون واضحين عندما عبروا عن معارضتهم لسياساته، والآن يتعين عليه أن يعبر عن احترامه لهم. روكايا ديالو كاتبة عمود في النسخة الأوروبية من صحيفة «الغارديان»
عن «الغارديان»
• فصل السلطات لا ينبغي أن يسمح للرئيس بالتدخل في تشكيل الأغلبية. وفي وقت سابق من الصيف، كشفت حاشية ماكرون أنه كان يرفض حتى أي تغييرات جوهرية في السياسة.
• لاتزال الحكومة المنتهية ولايتها تتخذ قرارات كبرى. إن ماكرون، الذي روج لنفسه ذات يوم للناخبين الفرنسيين باعتباره مصلحاً سياسياً من شأنه أن يهز النظام الذي كان يخذلهم، يتصرف الآن مثل ملك جمهوري يستخدم ذريعة «الاستقرار» لإنكار عمل ديمقراطيتنا.