لعب غورباتشوف دورًا معقدًا وفريدًا في تاريخ العالم

كانتميخائيل جورباتشوف ، الذي توفي عن عمر يناهز 91 عامًا ، كان آخر زعيم للحزب الشيوعي في الاتحاد السوفيتي السابق ، وهو المنصب الذي شغله لبضع سنوات ، من عام 1985 إلى عام 1991. وخلال خطابه الأخير في السلطة ، أعرب عن أسفه لأن تمزق الاتحاد السوفيتي ، لكنه أكد الإنجازات الشخصية التي تم تحقيقها ، بما في ذلكتعزيز الحرية الدينية والسياسية ، وإدخال الديمقراطية واقتصاد السوق ، وكانت هذه بالطبع نهاية الحرب الباردة. يفخر جميع السياسيين بإنجازاتهم عندما ينهون فترة ولايتهم في السلطة. لكن في حالة جورباتشوف ، فإن ما قاله لم يكن تفاخرًا ولكنه يقلل من شأنه.

أكثرالدكتاتوريات مرعبة

قبل ذلك ببضع سنوات ، كان الاتحاد السوفيتي أحد أكثر الديكتاتوريات رعبا في التاريخ ، حيث أرسل جنوده إلى كل مكان من أجل حكم ما يقرب من ثلث الكوكب والسيطرة على مئات الملايين من المواطنين من خلال الإرهاب. رغمكان المعارضون السوفييت (وأنا أحدهم) يخبرون العالم بأن النظام السوفييتي كان ضعيفًا من الداخل ، لكن توقعاتنا بانهياره رُفضت والبعض اعتبرها أمنيًا ، خاصة من هؤلاء الخبراء الغربيين الذين انبهروا بالآخرين. قوة الاتحاد السوفياتي التي لا تقهر على ما يبدو.

لكن،انهار الاتحاد السوفيتي دون إطلاق رصاصة واحدة. من وجهة نظر الغرب ، هذه نتيجة مباشرة لقرارات اتخذها رجل واحد هو غورباتشوف. ليس من المستغرب أن هذا الرجل يحظى باحترام كبير في العالم الحر لدرجة أنه تم تكريمه بجائزة نوبل في عام 1990 ، وقد ساعدت المصطلحات التي أدخلها في القاموسالسياسي ، مثل glasnost (الافتتاح) و perestroika (إعادة الإعمار) ، تحدد هذا العصر.

شعبية جورباتشوف

لكن المدهش أن غورباتشوف لم يحظ بهذا النوع من الإعجاب في بلاده. في استطلاع عام 2017 ، صوت 8٪ من المواطنين الروس بالإيجابغورباتشوف والغالبية العظمى من الروس لديهم آراء سلبية عنه. والسبب في ذلك هو أن العديد من الروس يعتبرون نهاية الاتحاد السوفيتي كارثية ، حيث فقدت بلادهم مكانتها كقوة عظمى مخيفة. في هذه الأيام ، يمثل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين هذه المشاعر علانيةالروس.

في هذه الأثناء ، نحن المعارضون والمثقفون الآخرون الذين لم يؤمنوا بالنظام وأرادوا التغيير ، والذين حاربوا لعقود من أجل إصلاحات غورباتشوف ، لدينا آراء أكثر تعقيدًا عن الزعيم الأخير للاتحاد السوفيتي.

على سبيل المثال كانكان غورباتشوف مؤمنًا حقيقيًا بأفكار ماركس ولينين ، وكانت النوايا الأصلية لإصلاحاته الرائدة هي جعل الشيوعية أكثر إنسانية. بالإضافة إلى ذلك ، في الوقت الذي أصبح فيه واضحًا أن رغبة الشعب في الحرية يمكن أن تؤدي في النهاية إلى تقويض النظام ، بذل جورباتشوف قصارى جهده.لكبح جماح القوات التي أطلق العنان لها.

خلال زيارته الأولى للعالم الغربي ، قبل أن يصبح رئيسًا للمكتب السياسي ، اكتشف جورباتشوف أن الاتحاد السوفيتي دفع ثمنًا دبلوماسيًا واقتصاديًا لسوء معاملته للمعارضين. ونتيجة لذلك ، في السنة الأولى من حكمه ،أطلق سراح السجناء السياسيين وسمح لليهود بالهجرة إلى إسرائيل. ولكن عندما أصبح من الواضح أن مثل هذه السياسة يمكن أن تؤدي إلى هجرة جماعية خارج البلاد ، فُرضت قيود جديدة.

انهيار الستار الحديدي

بدأ الستار الحديدي في الانهيار فقط عندما تظاهر حوالي 250000 شخصفي واشنطن عام 1987 ، دعمًا لليهود السوفييت ، رحبوا بجورباتشوف خلال زيارته الأولى كرئيس لروسيا ، وطالبوا بالسماح لليهود بالهجرة.

الهجرة الحرة من الاتحاد السوفياتي سرعان ما أدت إلى مطالب من قبل الجماعات الدينية والقومية في الاتحاد السوفياتي لحلمصير. قاوم جورباتشوف هذه الفكرة ، وأرسل الجيش إلى جورجيا وليتوانيا وأماكن أخرى ، مما أسفر عن مقتل العشرات من المتظاهرين في هذه العملية. كان المنشق الروسي أندريه زاخاروف ، الذي أطلق سراحه غورباتشوف في عام 1986 ، يقضي الأيام الأخيرة من حياته يقاوم محاولات جورباتشوف لإنقاذ نظام الحزب الواحد.تجنب التنافس في الانتخابات السوفيتية.

قبل وقت قصير من وفاة زاخاروف في عام 1989 ، اتصل بي في إسرائيل ليخبرني أنه لا يستطيع زيارتي لأنه لن يسمح لنفسه بمغادرة موسكو ليوم واحد ، ويفوت فرصة عرقلة السلطة المطلقة لغورباتشوف.

عوامل انهيار الاتحاد السوفيتي

كنت أول سجين سياسي يطلق سراحه غورباتشوف في بداية عام 1986 ، وعندما خرجت من السجن سئلت على الفور إذا كنت أريد أن أشكره على إطلاق سراحه. قلت إنني ممتن جدًا لكل من ساهم في إطلاق سراحي ، لأنني فهمت أنه بدونهم ما كان لي الإفراج عني.

بعد عقد من الزمن ، تغيرت الظروفانهيار الاتحاد السوفيتي. ذات يوم كنت أشارك مع جورباتشوف في مؤتمر صحفي في بولندا ، وسألني أحدهم ما هي القوى التي أدت إلى انهيار الاتحاد السوفيتي؟ في إجابتي شرحت ثلاثة عوامل. وقلت ان خصوم زاخاروف وغيرهم من المعارضين هم من قاوموا اشعال شعلة الحرية والساسةالغربيون ، الرئيس الأمريكي رونالد ريغان ، ورئيسة الوزراء البريطانية مارغريت تاتشر ، الذين فهموا طبيعة النظام وكانوا على استعداد لإقامة علاقات مع موسكو ، وأخيراً غورباتشوف الذي فهم وتجاوب مع حركة التاريخ.

غضب جورباتشوف

مباشرة بعد انتهاء المؤتمر اقتربتجورباتشوف أن أشكره على إطلاق سراحي. تفاجأت عندما علمت أنه غاضب مني وقال لي: "لقد أطلقت سراحك بالرغم من كل النصائح التي طلبت مني ألا أفعلها ، وقد ذكرت اسمي في آخر العوامل التي تحدثت عنها؟" على الرغم من تعاطفي مع رد فعله ، شعرت أن أهم شيء هو التكبيرأصوات معارضة تجاهلها الغرب ، ثم ركز على دور جورباتشوف.

ومع ذلك ، إذا نظرنا إلى القرن العشرين ، ليس من منظور الصراع السياسي ، ولكن من زاوية تاريخية ثاقبة ، فسنرى كيف كان دور جورباتشوف فريدًا. من المعروف أن في كل ديكتاتورية خصوم ،من وقت لآخر ، يظهر القادة الغربيون مستعدين للمخاطرة بمستقبلهم السياسي من أجل النهوض بحقوق الإنسان في الخارج. لكن غورباتشوف كان نتاجًا للنظام السوفيتي ، وعضوًا في النخبة الحاكمة التي كانت تؤمن بأيديولوجيتها وتتمتع بامتيازاتها ، لكنها قررت تدميرها بالكامل. لهذا يمكن أن يكون العالم ممتنًا لهلم أفعل.

ناتان شارانسكي ناشط في مجال حقوق الإنسان وسجين سياسي سابق أثناء الاتحاد السوفيتي.

في استطلاع عام 2017 ، صوت 8٪ من المواطنين الروس بإيجابية لصالح غورباتشوف ، وكان لدى الغالبية العظمى من الروس رأي سلبي تجاهه.

إذا نظرنا إلىفي القرن العشرين ، ليس من منظور الصراع السياسي ولكن من زاوية تاريخية ثاقبة ، سنرى كيف كان دور جورباتشوف فريدًا. من المعروف أنه يوجد في كل ديكتاتورية خصوم ، ومن وقت لآخر ، هناك قادة غربيون على استعداد للمخاطرة بمستقبلهم السياسي من أجل دعم حقوق الإنسان في العالم.الخارج.

كانت النوايا الأصلية لإصلاحات جورباتشوف الرائدة هي جعل الشيوعية أكثر إنسانية.

خلال خطابه الأخير في السلطة ، أعرب جورباتشوف عن أسفه لتمزق الاتحاد السوفيتي ، لكنه شدد على إنجازاته الشخصية.