الرئيسية سياسة قلق أوروبي مع قرب تسلُّم ترامب مهامه رسمياً

قلق أوروبي مع قرب تسلُّم ترامب مهامه رسمياً

0 القراءة الثانية
0
0
0
wp header logo17341380131307605198

مع العودة الرسمية للرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب إلى المشهد السياسي، سيكشف عن الكثير من الأمور المتعلقة بأوروبا، والولايات المتحدة أيضاً.

وفي الحقيقة هناك العديد من الانقسامات والتناقضات بين الدول الأوروبية، حيث توجد مواقف وتوجهات مختلفة بين الدول نفسها وبين شريكها السياسي والعسكري والاقتصادي الأكثر أهمية وهو أميركا.

وحالياً جميع الدول الأوروبية تعتريها حالة من القلق مع قرب تسلم ترامب مهامه رسمياً في 20 يناير المقبل، إذ إن هناك توقعات تشير إلى أن ترامب يمكن أن يكون متردداً تجاه التحالفات التقليدية، بعدما هدد بإلغاء حلف شمال الأطلسي «الناتو»، وشن حرباً تجارية على حلفائه.

ولكي أحصل على فكرة أفضل عن نوع أوروبا التي ستستقبل ترامب قمت برحلة ما بعد الانتخابات عبر ثلاثة من أهم العواصم الأوروبية، حيث بدأت بالمركز الإداري في بروكسل، وذهبت إلى برلين، وقضيت الجزء الأكبر من الأسبوع في البؤرة الاستيطانية في بولندا، الدولة العضو في الاتحاد الأوروبي التي تحد روسيا وأوكرانيا.

مشكلات داخلية

في برلين، كما فعلت في باريس في وقت سابق من هذا الخريف، رأيت عملاقاً أوروبياً متورطاً في مشكلاته الداخلية، وغير قادر على الارتقاء إلى مستوى هذه المناسبة، ليس في وقت قريب على الأقل.

لقد وجدت في وارسو، ولدهشتي في بروكسل، حواراً مركزاً ورصيناً حول عواقب التغيرات التي قد تطرأ على الكتلة الأوروبية جراء ما حدث في الولايات المتحدة من تطورات سياسية، ويبدو أن هاتين العاصمتين تدركان المخاطر الكبيرة في العالم الأوسع، لكنهما تدركان أيضاً ما سيحدث داخل حدودهما.

البلجيكيون يتمتعون بحس فكاهي فريد، ففي شارع «رو دي لا لوي»، أي شارع القانون الذي يمتد من قلب حي الاتحاد الأوروبي في المدينة إلى القصر الملكي، توجد قطعة أرض مهجورة كانت تابعة لفندق تمت إزالته في العقد الماضي، وفي قلب تلك القطعة جدارية كبيرة باللون الأزرق السماوي الباهت كُتب عليها: «المستقبل هو أوروبا»، لكن المستقبل بالتأكيد ليس أوروبا إلا إذا كان هذا المستقبل يعتبر مرضاً، وحتى هذه الجدارية لم يعد لها مستقبل، فبعد أيام من مروري بها، أزيلت لإفساح المجال لمبنى مكاتب جديدة.

موجة جديدة

عند وصولي إلى القارة العجوز من واشنطن، كنت أتصور أن انتخاب ترامب من شأنه أن يضيف موجة جديدة من القلق إلى مزاج السنوات الأخيرة في هذه القارة، وفعلاً اكتشفت القلق، وبالتأكيد الشعور بالضيق، كما اكتشفت شعوراً جديداً لدى كبار المسؤولين في الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي الذين تحدثت إليهم في بروكسل.

إن عودة ترامب إلى مسرح الأحداث السياسية تشكل شوكة في حلق العلاقة الأوروبية الأميركية، ففي اتجاه واحد يطلق رئيس التخطيط السياسي السابق في «الناتو» فابريس بوثييه، والذي يدير شركة استشارية جيوسياسية، على هذا الأمر «الانفصال العظيم»، إذ إنه يرى أن أوروبا وأميركا تبتعدان عن بعضهما بعضاً.

فقد انزعجت أوروبا من الحماس الثقافي والوطني الذي اعترى أميركا، وستنزعج أيضاً مما قد يأتي بعد ذلك، الانعزالية التي تعني عدم التزام أميركا بالدفاع عن أوروبا، والحمائية التي قد تمزق أقرب علاقة تجارية في العالم.

من جانبها، تنظر أميركا إلى النمو البطيء في أوروبا، والاختلالات السياسية، والافتقار إلى الإبداع، وتسعى لتحويل انتباهها إلى مكان آخر.

«الانفصال العظيم»

وحتى في أدنى النقاط، مثل الصراع حول حرب العراق في عام 2003، لم تقترب العلاقة قط من «الانفصال العظيم»، ومنذ نهاية الحرب العالمية الثانية أيضاً. ومن الجيد أن نرى المستقبل بوضوح إذا أردنا تجنبه، وفي جميع المجالات في أوروبا، تريد معظم الأطراف السياسية تجنب ذلك.

وهذا يشمل الفرنسيين «المعادين لأميركا» تقليدياً، لذا يجب أن تتغير أوروبا، وإذا تم ذلك على النحو الصحيح، فسترى أميركا بالقدر نفسه أن من مصلحتها البقاء بجانب أوروبا.

هناك الكثير من الأسباب للاعتقاد بأن هذا السيناريو يمكن يتم ترجمته على أرض الواقع، حيث إن الزعيمين الأكثر أهمية في بروكسل رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين، والأمين العام السابق لـ«الناتو» ينس ستولتنبرج، يتبنيان نهجاً براغماتياً في التعامل مع حقبة ترامب الجديدة، فمثلاً نجد أن دير لاين لا تلجأ إلى الوعظ كما كان يفعل زعماء أوروبيون سابقون مع الرؤساء الأميركيين، بمن فيهم ترامب، بل هي امرأة عملية.

ربما يبدو أن هناك مفترق طرق حاداً بشكل خاص بالنسبة لـ«الناتو»، فقد هدد ترامب في الماضي بالانسحاب من التحالف أو القضاء عليه برفضه الالتزام بالمادة الخامسة بالدفاع عن أي حليف ضد هجوم من دولة أخرى ليست عضواً في الحلف، لكن ستولتنبرج، الذي تنحى عن منصبه خلال الصيف، هدّأ الموقف.

ويبدو أنه أقنع ترامب، كما قال المسؤول الكبير في الحلف بفائدة «الناتو» لأميركا، في حين رعى السيناتور ماركو روبيو، وزير الخارجية الأميركي المفترض، التشريع الذي يحظر على أي رئيس الانسحاب من «الناتو» دون موافقة مجلس الشيوخ.

وقال مسؤول كبير آخر في «الناتو»: «في الواقع أعظم مخاوفي هو الإدارة غير الفعالة في واشنطن»، مضيفاً: «على الأوروبيين أن يسلكوا هذا الطريق أو يسلكوا غيره لأن الديمقراطيين لا تتوافر لديهم الشجاعة لاتخاذ قرار».


النشاط التجاري

المخاوف أيضاً تعتري النشاط التجاري، حيث يعتبر الاتحاد الأوروبي ككتلة أكبر شريك تجاري لأميركا، وحتى لو تحركت إدارة ترامب أولاً وبقوة ضد الصين في ما يتعلق بالرسوم الجمركية، وتصالحت مع أوروبا كما يأمل البعض هنا، فإن أوروبا ستظل تشعر بالخوف عندما يحول المصدرون الصينيون إنتاجهم إلى الأسواق الاوروبية.

الواقع أن الأشخاص الذين تحدثت إليهم في مناصب السلطة لديهم خبرة مع ترامب منذ ولايته الأولى، ويبدو أن بعضهم يشبهه، فقد حدد أحد المفوضين الأوروبيين الجدد صفقة محتملة مع واشنطن، بحيث يمكن للاتحاد الأوروبي أن يعرض شراء معدات عسكرية أميركية واستيراد الغاز الطبيعي المسال منها.

وفي المقابل، يمكن للولايات المتحدة أن تتساهل في التعامل التجاري. وقال هذا المسؤول: «نحن بحاجة إلى التفكير في المزايا التي نقدمها للولايات المتحدة».

وسواء كان ذلك للأفضل أو الأسوأ، فقد بدأت بروكسل في استيعاب «فن الصفقة»، وأكد مسؤول كبير في حلف شمال الأطلسي: «ليس من مصلحة أوروبا ولا مصلحة أميركا أن تنفصلا».

إن إمكانية علاقة قوية عبر الأطلسي وارد، وربما يتعين أن نطرح الأمر بطريقة تبادل المصالح التي يتبعها ترامب، فالجيش الأميركي يحتاج إلى قواعد وحلفاء أوروبيين لفرض قوته في الشرق الأوسط وفي آسيا، كما تقدر الشركات العسكرية الأميركية المصنعة للأسلحة قوة السوق الأوروبية.

وسيكون هناك أكثر من 600 طائرة «إف-35» لدى القوات الجوية الأوروبية بحلول نهاية العقد، وكل هذه الطائرات ستحتاج إلى الصيانة واستبدالها في يوم من الأيام.

ماثيو كامينسكي* *محلل سياسي بالصحيفة عن «بوليتيكو»


استراحة من التاريخ

إن القارة الأوروبية لابد أن تفيق من غفوتها أيضاً، فقد أخذت أوروبا استراحة من التاريخ بعد الحرب الباردة، فحولت مدخرات الدفاع إلى الرعاية الاجتماعية، وافترضت أن الولايات المتحدة ستعوض النقص في موارد الدفاع.

والواقع أن الأوروبيين لا يعرفون تاريخهم. إن حقول «فلاندرز» في الحرب العالمية الأولى تبعد ساعة بالسيارة عن بروكسل، وبطبيعة الحال بدأت الحرب العالمية الثانية في بولندا قبل أن تبتلع غرب القارة.

لقد انتهى هذا العيد، وكان من المفترض أن تعيد حرب أوكرانيا إلى الأذهان هذا التاريخ، وقد فعلت ذلك بالنسبة للنصف الشرقي من أوروبا، الذي عزز جيوشه وأصبح لديه اقتصادات أكثر قدرة على المنافسة وأكثر نجاحاً، وظل غرب القارة في حالة إنكار إلى حد كبير لهذا الواقع، ومن الصعب أن يتم ذلك في ظل وجود ترامب في سدة الحكم.

. مخاوف على النشاط التجاري كون الاتحاد الأوروبي يعد أكبر شريك تجاري للولايات المتحدة.