على بُعد 300 متر إلى الجنوب من أسوار المسجد الأقصى المبارك، تملأ أصوات خرير الماء أنحاء متفرقة من بلدة سلوان، دون تمكن أي فلسطيني من مشاهدتها أو الوصول إلى مصدرها داخل عين سلوان التاريخية، المحرمة على الفلسطينيين في الوقت الحاضر، بعد أن كانت وقفاً إسلامياً منذ عهد الخليفة عثمان بن عفان لفقراء المدينة المقدسة، ومن بعده صلاح الدين الأيوبي، حتى سنوات قليلة من تهويدها في الوقت الراهن.
عين سلوان في بلدة سلوان جنوب المسجد الأقصى المبارك، تعد من أشهر عيون مدينة القدس الشريف، وأقدمها، يعود عمرها إلى 5000 عام، حين حفر الكنعانيون قناة تحت الأرض بطول 533 متراً، لتصبح على مر السنين المورد الطبيعي المائي الوحيد لسكان البلدة القديمة بالمدينة المقدسة، ولرواد الحرم القدسي الشريف.
وأصبحت العين الأثرية اليوم تحت قبضة الجمعيات الاستيطانية، في مقدمتها «جمعية إلعاد»، التي استولت على محيطها، وحفرت الأنفاق تحتها، وعمدت إلى تشويه معالمها التاريخية والحضارية، حتى أضحت ملاذاً للمسارات التلمودية اليهودية فوق الأرض وتحتها.
طمس التاريخ
ينطلق مسار عين سلوان من منطقة منخفضة الارتفاع شمال بلدة سلوان، فتنتقل المياه نزولاً عبر نفق صخري ضيق أسفل الأرض طوله 107 أمتار، وصولاً إلى بركة العين الأثرية أو «البركة الحمراء».
ويقول أستاذ العمارة الإسلامية في جامعة «بير زيت» الفلسطينية، جمال عمرو لـ«الإمارات اليوم»، «إن عين سلوان سميت بأسماء عدة، دلالة على مكانتها عبر الحضارات التاريخية، منها، عين أم الدرج، عين العذراء، أو العين الفوقا، وكانت مقصداً ليس لأهالي سلوان والبلدة القديمة فحسب، وإنما لجميع سكان الأحياء والقرى المجاورة، ومنها، الطور، والعيساوية، والسواحرة، وصور باهر، وأبوديس، والعيزرية، حيث الاعتماد عليها في الاستخدامات المنزلية وري الأراضي الزراعية».
ويبين أن مسجد عين سلوان العتيق أقرب المعالم إلى العين المسلوبة، ولكن لا يمكن تجاوزه تجاه العين بأي حال من الأحوال من قبل الفلسطينيين، حيث تحول بين هذين المعْلمين بوابات حديدية، ألحقت العين المائية بموقع استيطاني تهويدي يطلق عليه «مدينة داود».
ويمضي عمرو بالقول، «إن أبواب المدينة التهويدية التي تحيط بالعين الأثرية، مخصصة لكل سائح ومستوطن أراد التجوال داخل عين سلوان، والاستجمام داخل بركة المياه فيها، والتي أصبحت في قبضة سلطة الآثار والطبيعة الإسرائيلية و«إلعاد» الاستيطانية.
ويضيف «سلطة الاحتلال أغلقت العين أمام الفلسطينيين مطلع التسعينات، لتنقل مسؤولية السيطرة عليها إلى (إلعاد)، بعد أن كانت على مدار سبعة قرون وقفاً إسلامياً لفقراء المدينة المقدسة، وبالتالي باتت الجمعية الاستيطانية تروج لروايات تلمودية داخل أرض العين، وتتحكم في حركة الدخول إلى عين سلوان والخروج منها».
وتعد «إلعاد» الجهة التي تجمع أموال السياحة داخل المعلم التاريخي المنهوب، فعلى مدخل الموقع الاستيطاني «مدينة داود» وضعت سلطة الطبيعة الإسرائيلية لافتة ترحيبية، تحتوي على مواعيد الدخول إلى عين سلوان، وأسعار التذاكر المخصصة لكل من هو يهودي وسائح أجنبي، والتي يبلغ ثمنها 28 شيكلاً.
توسعة استيطانية
عين سلوان ليست وحدها منطقة أثرية جنوب الأقصى، فهي حلقة داخل سلسلة مواقع ذات التاريخ المتجذر في أولى القبلتين، حيث تحيطها أراض ومناطق حضارية كثيرة، من بينها، كنيسة الروم الأرثوذكس، وأرض الحمراء الأثرية التابعة لها، والممتدة على مساحة سبع دونمات داخل أحياء بلدة سلوان، وذلك بحسب رئيس الهيئة المقدسية لمناهضة التهويد في القدس، ناصر الهدمي.
وينوه الهدمي إلى أن أرض الحمراء سلبها الاحتلال في نهاية العام الماضي، فيما يباشر منذ بداية يناير الماضي أعمال حفر داخل الأرض الأثرية، طالت تجريف الأشجار المثمرة، وهدم موقف المركبات، حتى أضحت المنطقة بأكملها تحت سيطرة الاحتلال وجمعية «إلعاد».
ويقول الهدمي «إن أعمال التوسعة الاستيطانية هذه امتدت لتطال عين سلوان الممتدة داخل مساحات واسعة بين مسجدي الأقصى وسلوان وأرض الحمراء، ففي يوم 22 يناير الماضي نفذت طواقم جمعية إلعاد الاستيطانية أعمال حفر في محيط عين سلوان».
ويشير إلى أن المستوطنين – وتحت حماية الشرطة الإسرائيلية – استبدلوا أعمدة حديدية مثبتة على مدخل عين سلوان بأقفال وبوابات إلكترونية، لاستخدامها كممر إلى العين، والأنفاق أسفل حي وادي حلوة ببلدة سلوان.
وينوه رئيس الهيئة المقدسية لمناهضة التهويد إلى أن المنطقة الواقعة بين عين سلوان وأرض الحمراء مازالت تشهد استمرار أعمال حفر ووضع بوابات وخلع أشجار مثمرة، إضافة إلى تجريف وبناء سلاسل حجرية في الموقع.
وتخصص حكومة الاحتلال 47 مليون شيكل، ما نسبته 20% من إجمالي ميزانية سلطة الآثار الإسرائيلية لمصلحة «إلعاد» الاستيطانية، لاستكمال الحفريات التي تدور حول عين سلوان، وتربط محيط العين بالبلدة القديمة داخل المدينة المقدسة.
• سلطة الاحتلال أغلقت العين أمام الفلسطينيين مطلع التسعينات، لتنقل مسؤولية السيطرة عليها إلى «إلعاد»، بعد أن كانت على مدار سبعة قرون وقفاً إسلامياً لفقراء المدينة المقدسة، وباتت الجمعية الاستيطانية تروج لروايات تلمودية داخل أرض العين، وتتحكم في الدخول فيها والخروج منها.
• أصبحت العين الأثرية اليوم تحت قبضة الجمعيات الاستيطانية، في مقدمتها «جمعية إلعاد»، التي استولت على محيطها، وحفرت الأنفاق تحتها، وعمدت إلى تشويه معالمها التاريخية والحضارية، حتى أضحت ملاذاً للمسارات التلمودية اليهودية فوق الأرض وتحتها.