أكملت “جمعية الاستعمار الأمريكية” في عام 1904 مهمتها في تسفير دفعات من العبيد المحررين إلى “ليبيريا”، وأرسلت آخر رحلة في عملية كانت أفضت إلى تأسيس هذه الدولة في عام 1847.
على الرغم من الظاهر، لم يكن الهدف إنسانيا صرفا. أفل عصر العبودية، ونال الآلاف حريتهم، ورأى عدد من الشخصيات الامريكية البيضاء أن الوقت حان للتخلص من عبء هؤلاء، فجرى ترحيل العبيد المحررين إلى الساحل الغربي للقارة الإفريقية لتأسيس “ليبيريا”، وأرسلت أول دفعة تتكون من 86 أمريكيا من السود المحررين في 6 فبراير 1820 إلى هناك.
القصة بدأت في عام 1816، حين أسست مجموعة من الأمريكيين البيض جمعية الاستعمار الأمريكية، بهدف التعامل مع “مشكلة” العدد المتزايد من السود الأحرار في الولايات المتحدة من خلال إعادة توطينهم في إفريقيا. وبعد إنجاز المهمة أصبحت دولة ليبيريا ثاني جمهورية سوداء بعد هايتي في العالم.
التفاصيل تقول إن مجموعة تتكون من خمسين شخصا من نخبة المجتمع الأمريكي الأبيض، اجتمعت في 21 ديسمبر 1816 في فندق بواشنطن العاصمة لمناقشة مستقبل الأمريكيين السود المحررين.
فكرة تأسيس جمعية الاستعمار الأمريكي تعود على قس من نيو جيرسي يدعى روبرت فينلي، فيما بادر إلى دعم ومساندة هذه الجمعية بعض الشخصيات ذات النفوذ الكبير في البلاد ومنهم هنري كلاي، ودانييل ويبستر، وفرانسيس سكوت كي، بإضافة إلى رؤساء الولايات المتحدة المالكين للعبيد توماس جيفرسون، وجيمس مونرو، وجيمس ماديسون.
اهتمام مالكي العبيد الأمريكيين بهذا المشروع مرده أنهم رأوا أن إعادة توطين هؤلاء في إفريقيا وسيلة للتخلص من السود المحررين. وكانوا يخشون أيضا أن يتسبب الأحرار الجدد في فوضى من خلال مساعدة عبيدهم على الهروب أو التمرد.
هنري كلاي، أحد مؤسسي الجمعية عد مهمتها في غاية النبل، لافتا إلى أنها تتمثل في تخليص البلاد من قسم من السكان الذين وصفهم بعديمي الفائدة وبأنهم خطرون.
عدد الأمريكيين السود المحررين كان ارتفع بعد الثورة الأمريكية من 60.000 عام 1790 إلى 300.000 بحلول عام 1830، وبرزت جمعية الاستعمار الأمريكية كوسيلة تقوم بشحن السود إلى مستعمرة في إفريقيا.
أستاذ التاريخ إريك بورين في جامعة نورث داكوتا يقول عن هذا الأمر: “كان إنشاء جمعية الاستعمار الأمريكية لحظة فاصلة في التاريخ الأمريكي.. ما لديكم هو منظمة بيضاء قوية تقدم رؤية لأمريكا كبلد خاص بالبيض، فيما رد الأمريكيون الأفارقة برفض مدو بأنه بلدهم أيضا”.
علاوة على ذلك، يعتقد العديد من الأمريكيين البيض أيضا أن الأمريكيين من أصول إفريقية أدنى مرتبة منهم، ويتوجب نقلهم إلى مكان يمكنهم العيش فيه بسلام بعيدا عن أغلال العبودية.
أبراهام لينكولن هو الآخر تمسك بهذا الاعتقاد، ما دفعه إلى دعم خطة لنقل 5000 أمريكي أسود إلى منطقة البحر الكاريبي في ستينيات القرن التاسع عشر.
إضافة إلى كل ذلك، يقول المؤرخ مارك ليبسون إن جمعية الاستعمار الأمريكية كان لديها مهمة دينية تتمثل في تنصير إفريقيا من أجل “تحضير” القارة.
ليبيريا أعلنت في عامة 1847 دولة مستقلة على الساحل الغربي للقارة الأفريقية، وكانت أول مستعمرة في القارة السمراء تحصل على الاستقلال، ورى تغيير اسم عاصمتها إلى مونروفيا تكريما لجيمس مونرو، وهو واحد من أشد المتحمسين لجمعية الاستعمار الأمريكية.
أما ردود الفعل الأولية لمجتمع الأمريكيين من أصل إفريقي من هذه المسألة، فيظهر في رفض البعض لفكرة الرحيل عن الولايات المتحدة والتوطين خارجها، معتبرين أن الولايات المتحدة الأمريكية هي وطنهم.
بالمقابل رأى البعض الآخر أن الهجرة الجماعية للأمريكيين الأفارقة، حل وحيد، وذلك لاعتقادهم أن البيض بما في ذلك مؤيدو إلغاء العبودية، لن يقبلوا أبدا المساواة مع السود!
وفي هذا السياق، كتب مارتن ديلاني، وكان فُصل من كلية الطب بجامعة هارفارد بعد أن قدم طلاب بيض التماسات ضد انضمام الطلاب السود، قائلا: “نحن أمة داخل أمة”، مشددا على ضرورة الابتعاد عن “مضطهدينا”.
المصدر: RT