يُعتبر اليابانيون الأطول عمراً من بين سكان العالم، حيث مازالت توميكو إيتوكا، البالغة من العمر 116 عاماً، أكبر شخص في العالم على قيد الحياة، ونالت هذا اللقب في أغسطس الماضي، وتعيش في دار رعاية بالقرب من كوبي ولا تسمح بالمقابلات. ويبلغ متوسط العمر المتوقع بالنسبة للرجال 81 عاماً وللنساء 87 عاماً، كما أن ستة من بين أكبر 20 شخصاً سناً على الإطلاق جميعهم من النساء اليابانيات.
معجزة الرياضي مييوتشي
مثل جميع الرياضيين الذين حطموا الأرقام القياسية، يتبع يوشيميتسو مييوتشي روتيناً صارماً من التدريب والتمارين اليومية، يبدأ قبل الفجر بالانحناءات والتمدد، يليه ركض لمدة 40 دقيقة عبر حقول الأرز والممرات القريبة من قريته جوكابيبوتشو. بعد الإفطار يعمل في الحقول ساعات عدة، ويعتني بالأرز والبطاطا الحلوة والفجل العملاق في مزرعته الصغيرة. هذا النظام من التدريب والجهد الشاق في الهواء الطلق هو الذي ساعد مييوتشي على تحقيق عشرات الانتصارات، بما في ذلك رقم قياسي عالمي جديد الأسبوع الماضي في سباق 800 متر، والذي يأمل أن يضيف إليه رقماً قياسياً في سباق 1500 متر في بطولة هذا الشهر. شيء واحد فقط يرفع هذه الإنجازات من المذهلة إلى غير العادية: مييوتشي يبلغ من العمر 100 عام.
وُلِد قبل 15 عاماً من الحرب العالمية الثانية، وعاش أكثر من جميع معاصريه وأحد أطفاله الأربعة. أحدث أحفاده الخمسة أصغر منه بـ98 عاماً، وأفضل أصدقائه رجال كبار في السن أصغر منه بجيل كامل. وحتى المشي لمسافة 1500 متر في سن الـ100 قد يعتبره كثيرون معجزة، لكن مييوتشي يركض أسرع من أي شخص في مثل سنه.
يتنافس مييوتشي حرفياً في فئة خاصة به: فئة الـ100 متر المخصصة للرياضيين في العقد الـ11 من العمر، وكان آخر رقم قياسي حققه في سباق 800 متر في بطولة كيوشو ماسترز لألعاب القوى في أغسطس، وهو رقم قياسي افتراضي، ولم يسبق لأحد في مثل سنه أن حقق هذا الرقم القياسي، فقد قطع السباق في ثماني دقائق و24.36 ثانية في درجة حرارة 34 درجة مئوية.
بعد أن توقف عن الجري في العشرينات من عمره بسبب العمل عاد إلى الركض مرة أخرى في سن الـ65، واليوم تملأ ميدالياته وكؤوسه وشهاداته العديد من الخزائن في منزله. ويقول: «فزت بالرقم القياسي الياباني في سباق 5000 متر عندما كان عمري 65 عاماً، ومنذ ذلك الحين وأنا أحطم الأرقام القياسية العالمية. إنه أمر مدهش، يتحسن أدائي في كل مرة»، ومع ذلك أصبح الرجال والنساء مثل مييوتشي أكثر شيوعاً في هذا البلد.
كبار السن الخارقون
ومع تزايد عدد المعمرين إلى مستويات لم يكن من الممكن تصورها ذات يوم، ظهرت فئة جديدة من النخبة: كبار السن الخارقون، ففي الفنون والأعمال، والأهم من ذلك كله في الرياضة، لا يكتفي عدد صغير من اليابانيين المسنين للغاية بما وصلوا إليه من مستوى في الأنشطة بل ويتقدمون إلى الأمام أيضاً. ومن بين هؤلاء يوكو تاماغاوا، عازفة الشاميسن الوترية التي تؤدي عروضها في سن 101، وماتسو كوروتاكي الذي يدير متجراً للكعك المشوي في بلدة هاكوداتي في سن الـ100، ودخلت توموكو هورينو موسوعة «غينيس» للأرقام القياسية العام الماضي باعتبارها أكبر مستشارة تجميل في العالم في سن 101، ولاتزال الفنانة هيروكو إينوي ترسم وهي في سن الـ105.
في عام 1950 كان هناك 97 يابانياً من المعمرين، وفي نهاية سبتمبر من العام الماضي كان هناك 92 ألفاً، منهم 81600 امرأة، وفي العام الماضي تلقى 47 ألف ياباني رسالة تهنئة من رئيس الوزراء، وفي عام 2009 عندما تجاوز العدد 40 ألفاً، اضطرت الحكومة إلى تقليص حجم كأس الساكي الفضية التي تُمنح للأشخاص الذين بلغوا سن الـ100، فقد أصبحت الكلفة باهظة للغاية.
سر طول العمر
ويتساءل البعض عن سر طول عمر اليابانيين مقارنة بأي مكان آخر في العالم. توضح حالة مييوتشي العديد من العوامل، فالحياة في اليابان أطول بشكل ملحوظ في الريف حيث المجتمعات الصغيرة، وحيث وتيرة الحياة أقل إرهاقاً من تلك الموجودة في العاصمة، كما أن الجودة العالية للمنتجات والرعاية الطبية الشاملة هي عوامل مهمة: عندما أصيب مييوتشي بسرطان الأمعاء قبل ست سنوات تم تشخيصه بسرعة واستئصاله. يقول بأسف: «على الرغم من أنني اضطررت إلى تفويت ماراثون كاجوشيما، فإن النظام الغذائي الياباني التقليدي الغني بالأسماك والخضراوات المطبوخة قليلاً والمنخفضة الدهون؛ له علاقة كبيرة بشفائي». ولكن مييوتشي لايزال يستمتع بكأس من مشروب شوتشو القوي مرة واحدة في اليوم.
الأمر الأكثر وضوحاً في حالته هو البهجة وحب الحياة غير المعقد بسبب القلق بشأن الشيخوخة، فهي النهاية الحتمية للحياة. يقول: «كل الرجال يتقدمون في السن وجميع الرجال يموتون. سأموت أنا أيضاً ذات يوم. الشيء المهم هو كيف أقضي كل يوم على ما يرام».
ويركز الآن على البطولة هذا الشهر في كيوتو، حيث يأمل في تحقيق حقيبة أخرى من الأرقام القياسية العالمية في سباق 100 متر، وستكون ابنته وهي سيدة عجوز هناك لتشجيعه. يقول: «عائلتي كلها تدعمني. إنهم يشجعونني في المضمار. يصرخون ورائي: استمر في الجري». عن «التايمز» اللندنية
• مع تزايد عدد المعمرين إلى مستويات لم يكن من الممكن تصورها ذات يوم، ظهرت فئة جديدة من النخبة: كبار السن الخارقون، ففي الفنون والأعمال والأهم من ذلك كله في الرياضة لا يكتفي عدد صغير من اليابانيين المسنين للغاية بما وصلوا إليه من مستوى في الأنشطة بل ويتقدمون إلى الأمام.
قرية «طول العمر»
تُعد محافظة أوكيناوا واحدة من «المناطق الزرقاء» في العالم، وهي المناطق التي تضم عدداً كبيراً من الأشخاص الذين يتجاوزون متوسط العمر المتوقع. ويُعتقد أن هناك العديد من العوامل المختلفة التي تسهم في طول عمر سكان المنطقة الزرقاء، بما في ذلك اتباع نظام غذائي صحي وأسلوب حياة نشط وأقل إجهاداً. تُعرف قرية أوجيمي الخلابة الواقعة في شمال جزيرة أوكيناوا الرئيسة محلياً باسم «قرية طول العمر». تقدم القرية برامج الإقامة المنزلية، ويمكن أن تساعد الزيارة في تسليط الضوء على فوائد الحياة البطيئة في الجزيرة والحكمة في طول العمر.
في عام 1993 أقام اتحاد نوادي كبار السن في قرية أوجيمي نصباً تذكارياً لـ«لأطول عمر في اليابان» لتنشيط المجتمع. ينص الإعلان الموجود على اللوحة على: في سن الـ80 أنت لاتزال طفلاً. عندما أشعر بقرب أجلي في سن الـ90 أسال الله أن يساعدني حتى أبلغ الـ100، فلنستمر في العمل بقوة مع تقدمنا في السن، ولا نعتمد كثيراً على أطفالنا. إذا كنت تحب طول العمر فتعال إلى قريتنا. سنوفر لك بركات الطبيعة ونعلمك أسرار طول العمر. نحن كبار السن في قرية أوجيمي نعلن أن قريتنا هي «القرية الأطول عمراً في اليابان».
هناك بعض العوامل التي قد تسهم في سمعة القرية، فالحياة المتناغمة مع الثروات الطبيعية في المنطقة تسمح للسكان «بالعيش دون قلق أو تسرع» مع الاسترخاء. نظامهم الغذائي متنوع وصحي، ويستخدم مكونات طازجة موسمية. كما يشارك المجتمع في العديد من الفعاليات الاجتماعية بروح تعزيز «النشاط مدى الحياة».
إن وتيرة الحياة الهادئة في أوجيمي واضحة للعيان، فالمنطقة جميلة حيث يمكن الوصول منها إلى شاطئ أوكيناوا الساحر، والغابات الخضراء، والأنهار المتعرجة ببطء عبر الجبال، بعيداً عن الضغوط التي تصاحب صخب المناطق الحضرية. وللتعرف إلى النظام الغذائي المميز في أوجيمي قم بزيارة مطعم «أومي نو مايس»، حيث تحتوي الأطباق على الكثير من الخضراوات الطازجة الغنية بالمعادن والأعشاب البحرية، والبروتين عالي الجودة. ووفقاً لمالك المطعم، فقد افتتحوا هذا المطعم «للحفاظ على إيقاع وحكمة الحياة».
عمرها 100 عام وتبيع مستحضرات التجميل
بعد أن ظلت تبيع مستحضرات التجميل والمرطبات لستة عقود للعملاء في فوكوشيما، أصبحت توموكو هورينو التي تبلغ من العمر 100 عام أكبر مستشارة تجميل في العالم، حيث أدرجتها موسوعة «غينيس» للأرقام القياسية في سجلاتها، وأصبحت أول مندوبة مبيعات لشركة «بولا»، وهي شركة مستحضرات تجميل يابانية تأسست عام 1960. واليوم لاتزال تبيع لثمانية عملاء وتكسب 100 ألف ين (540 جنيهاً إسترلينياً) شهرياً. وتقول لوكالة «كيودو» للأنباء: «أستمتع فقط برؤية العملاء يصبحون جميلين وسعداء، وهذا ما جعلني أستمر حتى الآن. أريد الاستمرار في العمل لأطول فترة ممكنة». تنتقل مرة واحدة في الأسبوع بالحافلة من منزلها إلى مكاتب «بولا» في مدينة فوكوشيما، وتزور عملاءها سيراً على الأقدام أو بوسائل النقل العام، وبدأت العمل في الشركة عندما بلغت من العمر 37 عاماً. ولدت كأكبر أفراد عائلة مكونة من خمسة أفراد، وتزوجت في سن 21 عاماً.
وتقول: «عندما بدأت في استخدام مستحضرات التجميل من (بولا) ظل الناس من حولي يقولون: أنت جميلة بشكل خاص هذه الأيام. وكنت مسرورة للغاية».