يعدّ فن «المالوف» الشهير في منطقة المغرب العربي تحديداً، من أهم علامات الموروث الغنائي المتنوع للمنطقة وبعض مكونات هويتها الوطنية، وقد جاء في التعريفات أن أصل كلمة «المالوف» مشتقة من «مألوف» بتخفيف الهمزة، أما المعنى، فيرمز إلى«التوليفة» و«الألفة» بين المقاطع المتعددة و«التآلف» في «نوبة» (أي مقطوعة) واحدة.
وعلى الرغم من اتصال فن المالوف بالمدائح الصوفية وبتجارب الفنون والموسيقى، فإنه ظل لفترات تاريخية طويلة وصولاً إلى اليوم، حاضراً بقوة في حزام المغرب العربي ومرآة لأبرز كلاسيكيات موسيقى بلدان الشمال الإفريقي وموروثها الغنائي الأرقى، وذلك، بما احتواه هذا الفن من مقامات موسيقية وأوزان إيقاعية وقصائد وأزجال تفردت بها بلاد المغرب لتطورها مع مرور الوقت.
وتتنوع الفنون النظمية في فن «المالوف»، إذ يضم تحت خيمته مجموعة من الفنون المعربة والملحونة وباقات وبدائع من روائع الأشعار، و«الدوبيت» «والأزجال» و«القوما» و«الموشحات»، أما الزجل، فهو شعر لا يلزم فيه الإعراب وتتخلله كلمات وعبارات من اللهجة العامية، فيما تعتبر«النوبة» التي تميز الموسيقى التقليدية لأقطار المغرب العربي، أهم قوالب فن المالوف الشهير. في الوقت الذي تتركب «النوبة» من معزوفات ومقطوعات غنائية هي «الاستفتاح» و«المصدر» و «الأبيات» و «البطايحي» و«التوشية» و «البرول» و«الدرج» و«الخفيف» وصولاً إلى «الختم» الذي تنتهي به النوبات وهو غناء بإيقاع سريع.
أما الآلات الموسيقية التي يتكئ عليها فن المالوف في نوباته التقليدية فهي: الغيطة (آلة نفخية) وآلات مصنوعة من جلود الحيوانات أبرزها آلة «الطار» أوآلة «البندير» وآلة «النقرة». فيما يتم تقديم النوبات عادة في مجموعات موسيقية مصغّرة شبيهة بالتخت الشرقي لتضـــــــــم آلات وترية أبرزها العود والرباب والكمنجة، تصحبها آلة نفخ وحيدة هي الناي، إضافة إلى آلات الإيقاع كالنقرات والطار وآلة الدربوكة وفي بعض الأحيان، آلة القانون.
وتونسياً، نجح هذا اللون الموسيقي، الذي يعد خلاصة الموروث الحضاري الخاص بمنطقة «إفريقية» قديماً، وأهم الرّوافد الأندلسية الناطقة بأصالة تقاليدها، في الحفاظ على هويته وفرادته، ليحتل من جهة، صدارة الفنون والعادات الموسيقية. ومن جهة أخرى، قلب التراث والأصالة التونسية ويظل «شامخاً بكثير من الصبر» كما يصفه الباحث التونسي فتحي العابد، إذ لم يكن من السهل حسب قوله «التمسك بالاختيارات وفرض هذا النوع من الفن الراقي على أذن تعودت على الإيقاعات الصاخبة والسريعة».
ولعل أهم المبادرات الفاعلة التي أسهمت في صيانة هذا الكنز الفني والحضاري النفيس، كانت تجربة تأسيس «المعهد الرشيدي للموسيقى التونسية» في العام 1934 على يد ثلة من المثقفين التونسيين، الذي مازال إلى حدود اليوم، أهم المدارس الفنية البارزة ليس على مستوى تاريخ الثقافة المحلية بل والعربية، باعتباره أقدم مدرسة موسيقية في شمال إفريقيا. يضم مختارات من الفنون المعربة والملحونة وباقات من روائع الأشعار والموشحات.