ظلت المدارس الأميركية تواجه منذ فترة طويلة أزمة تنمر، وتعتقد الأخصائية الاجتماعية، نيكي باجانو، بمنطقة شارلوت في كاليفورنيا الشمالية، أن ازدياد استخدام المراهقين لوسائل التواصل الاجتماعي، زاد من تفاقم المشكلة، وتضيف قائلة: «قبل وسائل التواصل الاجتماعي، ربما كانت هناك مواجهات مزعجة في المدرسة، ولكن لم يكن أثرها يمتد خارج المدرسة، أما الآن ينتقل هذا التفاعل إلى المنزل، ويشاهده أفراد الأسرة، وقد يكون هناك شيء يتم نشره على الإنترنت، وقد يشاهده الزملاء أو حتى (يعجبون) بهذه المشاركات».
التحدث مع الطفل
وتنصح باجانو ذوي الطلبة بقولها «ابدأ بالتحدث مع طفلك حول أهمية الإبلاغ عن سلوك المتنمرين إلى أحد أفراد طاقم المدرسة، وإذا شاهد أطفالك طالباً آخر يتعرض للاستبعاد أو المضايقة أو الإهانة أو التهديد أو الأذى الجسدي، فيجب عليهم إخبار شخص بالغ بذلك».
وتكمن المشكلة في أن معظم الأطفال لا يعتقدون أنه من الأجدر بهم التدخل لمساعدة الضحية في الوقت الحالي خوفاً من انتقام المتنمر. لكن لايزال بإمكان المتفرجين أن يكون لهم تأثير قوي وإيجابي، ليس فقط من خلال الإبلاغ عن سلوكهم، ولكن أيضاً من خلال التحدث إلى الضحية على انفراد بعد ذلك.
ووفقاً لبيانات المركز الوطني للإحصاءات التربوية فقد أبلغ واحد من كل خمسة طلاب عن تعرضه للتنمر. ويُعرِّف موقع «ستوب بوليينغ دوت جوف» StopBullying.gov التابع للحكومة الأميركية، سلوك التنمر على أنه اختلال في توازن القوة بين الجاني والضحية، وحوادث متكررة (أو احتمالية تكرارها). ويقدم الموقع موارد للمدارس حول تثقيف الطلاب حول التنمر، بالإضافة إلى تقنيات لإبقاء خطوط الاتصال مفتوحة بين الطلاب والموظفين. لكن يمكن للوالدين لعب دور رئيس في هذا الجهد.
آثار سلبية
وتقول الأخصائية النفسية، أماندا ماكجو، التي تعمل مع المراهقين والبالغين، وترأس أيضاً فرع ولاية كارولينا الشمالية التابع للمؤسسة الأميركية لمنع الانتحار، تقول: «نحن نعلم أن ضحايا التنمر يمكن أن يتعرضوا لآثار سلبية في جميع مجالات حياتهم». وتسترسل «هذا التنمر يؤثر في أدائهم العقلي والعاطفي، والجسدي والاجتماعي، والأكاديمي، وقد يشعرون بأنه يمثل لديهم تدنياً في احترام الذات، ويجلب لهم الاكتئاب، والانعزال، والشكاوى الجسدية مثل الصداع أو آلام المعدة، أو تجنب الذهاب إلى المدرسة».
وتظهر الأبحاث أن مهارات التأقلم التي يتم تدريسها في العلاج السلوكي المعرفي يمكن أن تساعد الشباب على السيطرة على مشاعرهم العارمة والتعامل مع الطرق الإيجابية التي ستفيدهم، وكذلك أسرهم وأقرانهم، مدى الحياة.
نصيحة
وتنصح ماكجو الآباء بأنه «إذا كان طفلك يتنمر، فينبغي أن تتواصل معه بطرح أسئلة أولاً حول وجهة نظره للموقف، ووضّح له الوسيلة الأنسب بشأن كيفية تعامله مع الآخرين، وساعده على أن كلماته وأفعاله تؤثر في الشخص الآخر، وحدد عواقب واضحة إذا استمر سلوكه في التنمر». وتضيف أنه «إذا كان هذا النمط مستمراً، فقد تكون هناك حاجة للتشاور مع أخصائي الصحة العقلية، لأن ذلك يمكن أن يسهم أحياناً في معالجة التنمر». ويعتقد بعض الخبراء أن المدارس تقاتل الآن وحشين: تزايد الحوادث العنصرية الشخصية والهجمات المستمرة عبر الإنترنت.
عندما أجبر الوباء الطلاب على الدراسة عبر الإنترنت، شهدت المدارس ظاهرة واعدة: انخفاض في عدد حوادث التنمر الشخصي. لكن السلوك لم يتوقف، فقد استمر عبر الإنترنت. ومع عودة الطلاب إلى الفصول الدراسية، ظهر عدد مذهل من الحوادث العنصرية البارزة في جميع أنحاء البلاد.
وتشير الدلائل إلى أن هذا الاتجاه من المرجح أن يؤثر بشكل غير متناسب على الأطفال السود، على الرغم من أنهم يمثلون 15% فقط من طلاب المدارس العامة، حيث يتعرض 35% من الأطفال السود للتنمر بسبب عرقهم، وفقاً لتحليل للبيانات صادر عن وزارة التعليم الأميركية. وهذه الظاهرة أكثر شيوعاً ضد الطلاب السود في المدارس ذات الأغلبية البيضاء. ويُظهر بحث أن الطلاب السود هم أكثر عرضة لسماع الإهانات العرقية التي يستخدمها زملاؤهم البيض، ويشعرون بأنهم مستبعدون اجتماعياً.
مشكلة مجتمعية واسعة
لم يتحدث الطلاب المنحدرون من أصول بيضاء بشكل صارخ عن كره الصينيين فحسب، بل كانت هناك أيضاً اعتداءات جسدية عنيفة ضد زملائهم الآسيويين. وقبل أن تغلق المدارس العامة في لوس أنجلوس في منتصف شهر مارس، اتهم المتنمرون في وادي سان فرناندو صبياً آسيوياً يبلغ من العمر 16 عاماً بإصابته بفيروس كورونا، لمجرد عرقه. ضربوه ضرباً مبرحاً لدرجة أنه تم إرساله إلى غرفة الطوارئ.
وتشكل العنصرية ضد الطلاب المنحدرين من أصول آسيوية في المدارس الأميركية مشكلة مجتمعية أوسع ارتبطت بفيروس كورونا. ووصفت التقارير الإعلامية أن الأشخاص المنحدرين من أصل آسيوي يتعرضون للسعال أو البصق في وجوههم أو الدفع أو اللكم.
دفع ارتفاع جرائم الكراهية ضد الآسيويين أثناء الوباء العديد من الآباء الأميركيين الآسيويين إلى تسجيل أطفالهم في التعلم عن بُعد خوفاً على سلامة أطفالهم في المدرسة. ويتم تسجيل هذه الفئة من الطلاب الأميركيين الآسيويين في التعلم عن بُعد بمعدلات أعلى بكثير من المجموعات العرقية الأخرى. وتشير البيانات الفيدرالية إلى أن 78% من طلاب الصف الثامن من الأميركيين الآسيويين قد التحقوا بالمدرسة عن بُعد في فبراير 2021، بينما التحق بها عن بعد 59% فقط من السود، و59% من اللاتينيين، و29% من الطلاب البيض تقريباً. وأفاد معظم الضحايا الصغار (نحو 80%)، بأنهم تعرضوا للتنمر أو التحرش اللفظي. وفي أكثر من نصف الحوادث، استخدم الجناة خطاب كراهية معادياً لآسيا، وأن نحو حادثة من كل خمس حوادث كراهية حدثت في المدرسة.
ويمكن أن يختلف مدى شيوع المضايقات القائمة على العرق ضد الطلاب الآسيويين بناءً على عوامل مختلفة، مثل المكان الذي يعيش فيه الطلاب أو جنسهم أو درجاتهم أو حالة الهجرة. على سبيل المثال، كشفت دراسة من كاليفورنيا أن طلاب الصف السادس من الأميركيين الآسيويين في هذه الولاية أفادوا بأنهم تعرضوا للتنمر والإيذاء بمعدلات أعلى من المجموعات العرقية الأخرى.
• مهارات التأقلم التي يتم تدريسها في العلاج السلوكي المعرفي يمكن أن تساعد الشباب على السيطرة على مشاعرهم العارمة، والتعامل مع الطرق الإيجابية التي ستفيدهم، وكذلك أسرهم وأقرانهم، مدى الحياة.
• المشكلة تكمن في أن معظم الأطفال لا يعتقدون أنه من الأجدر بهم التدخل لمساعدة الضحية في الوقت الحالي خوفاً من انتقام المتنمّر.
• بعد عودة الطلاب إلى الفصول الدراسية، ظهر عدد مذهل من الحوادث العنصرية البارزة في جميع أنحاء أميركا.
قصة الفتاة هالي واتسون
ترجمة: عوض خيري عن «الغارديان» / قصة فتاة سوداء كانت في يوم من الأيام طالبة في إحدى مدارس ولاية إنديانا، تحكي أدناه قصتها مع التنمّر، كونها في مدرسة معظم طلابها من البيض، تقول:
«تعرضت للتنمر باستمرار كوني طالبة سوداء، في واحدة من أكثر المناطق التي تعج بالبيض في ولاية إنديانا. لا أتذكر أول مرة أدركت فيها أنني مختلفة عن زملائي البيض، ولا أتذكر حتى المرة الأولى التي عرفت فيها ما هو العرق. لكني أتذكر المرة الأولى التي أجبرت فيها على كره نفسي لكوني سوداء. كنت في العاشرة من عمري عندما نعتني أحد الطلاب بكلمة (زنجية) لأول مرة».
«لقد أنهينا لتوّنا الفصل الدراسي في ذلك اليوم، وذهبت لآخذ حقيبتي من غرفة الصف في مدرستي الابتدائية، وقبل أن أتمكن من وضعها على كتفي، كان زميلي في الفصل يصرخ بأعلى صوته (انظروا إلى النمر) كنت الفتاة السوداء الوحيدة في الغرفة، لذلك عرفت على الفور أنه كان يتحدث عني. وحرص على التوضيح من خلال التحديق والإشارة إليّ أثناء كلامه».
«كانت الصدمة كبيرة، كل ما كنت أفكر فيه، هو التساؤل عما إذا كنت قد سمعته بشكل صحيح، وعندما قالها مرة أخرى، أزال أي شك لدي. حادثة واحدة، كلمة واحدة: هذا كل ما احتجته لأدرك أنني شخص (آخر)، لقد تلاشت براءتي وحلمي الطفولي الساذج».
«الكراهية الذاتية التي أعقبت ذلك ظلت تسري ببطء في هويتي. عندما كان الطلاب، وأحياناً المدرسون، يسخرون من تسريحة ذيل الحصان (المثيرة التي درجت عليها)، كنت أحولها إلى ضفائر. وعندما أحولها إلى ضفائر، كانوا يقولون إنني أبدو مثل الممثلة الأميركية، ووبي غولدبرغ. وعندما استسلمت أخيراً تخليت عن تجعيد شعري وجعلته مستقيماً، لم تتوقف المضايقات».
«طوال دراستي في المدرسة كنت أجلس صامتة، بينما كان المعلمون يمجدون التاريخ الأبيض. أتذكر بوضوح أستاذي الذي كان يمجد تصرفات الأشخاص البيض: كم كانوا شجعاناً عندما حرروا العبيد، وكم كانوا لطفاء بسبب منحهم السود حقوقهم، ومدى ثقتهم عندما سمحوا لليابانيين بالخروج من معسكرات الاعتقال».
هالي واتسون. من المصدر
الطلاب الآسيويون أكثر عرضة للتمييز العنصري
أشارت الاتجاهات الوطنية قبل الوباء، إلى أن الطلاب الأميركيين الآسيويين كانوا بالفعل أكثر عرضة للتمييز العنصري من أقرانهم في المدرسة، من الفئات الأخرى من الطلاب. وأفاد نحو 11% من الطلاب الأميركيين الآسيويين بأنهم يطلق عليهم كلمات مرتبطة بالكراهية، مقارنة بـ6.3% من الطلاب البيض في عام 2015. وكشفت دراسة منفصلة أن التنمر والعنف الجسدي، كانا أقل أهمية بالنسبة للطلاب الأميركيين الآسيويين. وأبلغ نحو 7.3% فقط عن تعرضهم للتنمر في المدرسة في عام 2017، مقارنة بـ23% من الطلاب البيض.