شهد الاقتصاد الأميركي 12 حالة ركود منذ الحرب العالمية الثانية، واتسمت كل حالات الركود التي مر بها بصفتين أساسيتين، هما تراجع النمو الاقتصادي، وارتفاع معدل البطالة. لكن حالياً، يحدث شيء غريب في الاقتصاد الأميركي، فالنمو الاقتصادي يشهد تراجعاً في الربع الأول مع مؤشرات سلبية في الربع الثاني، فيما يظهر سوق العمل علامات باهتة على التعثر خلال النصف الأول من العام، إذ انخفضت معدلات البطالة من 4% في ديسمبر الماضي إلى 3.6% في مايو.
تطور غريب
وتقول صحيفة «وول ستريت جورنال» إنه تطور غريب في مسار اقتصاد مر بجائحة «كوفيد-19»، ولغز يحتاج إلى حل من الاقتصاديين، فقد تراجع النمو خلال النصف الأول من 2022، لكن الشركات الأميركية استمرت في التوظيف.
من جانبه، أعرب أستاذ الاقتصاد في جامعة هارفارد، جريجوري مانكيو، عن دهشته من التعامل مع ركود اقتصادي دون فقدان الكثير من الوظائف، قائلاً إن من المحتمل أن يكون سبب الركود والبطالة هو زيادة سعر الفائدة من جانب «مجلس الاحتياطي الفيدرالي».
حالة الركود
ويحدد حالة الركود في الولايات المتحدة رأي المكتب الوطني للبحوث الاقتصادية، وهو مجموعة اقتصاديين أكاديميين يجتمعون لتحديد تواريخ بدء فترات الركود وانتهائها.
ورغم أن إحدى القواعد الشائعة لتحديد حالة الركود الاقتصادي، هي انكماش الناتج المحلي الإجمالي لربعين متتاليين، فإن هذه ليست الطريقة التي يعتمدها المكتب الوطني، الذي يضع في الحسبان مجموعة مؤشرات منها الإنتاج، والدخل، والنشاط الصناعي، ومبيعات الأعمال، إضافة إلى مستويات التوظيف لتحديد حالة الركود التي يعرفها المكتب بأنها انخفاض كبير في النشاط الاقتصادي للبلاد، يظهر في الإنتاج والتوظيف ومؤشرات أخرى.
معدل البطالة
ولا تتحرك المؤشرات دائماً بشكل متزامن، ففي عام 2001، لم ينخفض الإنتاج كثيراً، ولم ينكمش الناتج المحلي الإجمالي لربعين متتاليين، لكن المكتب وصفه بالركود، لكن القاسم المشترك في تحديد الركود هو معدل البطالة، إذ ارتفع معدل البطالة في كل حالات الركود، بما لا يزيد على 1.9 نقطة مئوية في عامي 1960 و1961، وبقدر يصل إلى 11.2 نقطة مئوية في عام 2020.
وكان متوسط الزيادة في معدل البطالة بين جميع حالات الركود الـ12 بعد الحرب العالمية الثانية 3.5 نقاط مئوية، في وقت لم تفلت فيه الولايات المتحدة من أي من حالات الركود تلك مع معدل بطالة أقل من 6.1%.
عدد الوظائف
ومع ذلك، فقد ارتفع عدد الوظائف بين ديسمبر ومايو الماضيين، بمقدار 2.4 مليون وظيفة، كما سجلت الولايات المتحدة أكثر من 11 مليون فرصة عمل شاغرة في ستة من الأشهر السبعة الماضية، أي أربعة ملايين فرصة عمل شهرية أكثر مما كانت عليه قبل الجائحة في 2020.
وقال أستاذ الاقتصاد في جامعة نورث وسترن، روبرت جوردون، إن المؤشرات الأخرى تتجه إلى «الركود»، ما عدا سوق العمل.
وأضاف: «سيكون لدينا تضارب غير عادي للغاية بين أرقام العمالة وأرقام النمو لبعض الوقت»، لافتاً إلى أهمية مؤشرات أخرى، مثل مبيعات التصنيع، وتجار الجملة.
فترات الانكماش
كانت بعض فترات الانكماش طويلة وعميقة، مثل الانكماش في الفترة بين 2007-2009 الذي أدى إلى ارتفاع معدل البطالة إلى 10%. والبعض الآخر قصير مثل ركود عام 2001 الذي استمر ثمانية أشهر.
وقال أستاذ الاقتصاد في جامعة ستانفورد، بيتر كلينو: «يبدو أن كل كساد له قوة دافعة مختلفة ومدة مختلفة وتأثير مختلف على الوظائف والإنتاج»، لافتاً إلى أن ركود عام 2020، مختلف عن أي شيء مسجل في تاريخ الولايات المتحدة، وقصير بشكل استثنائي في شهرين فقط، وشديد بشكل استثنائي.
أما كبير الاقتصاديين في «جي بي مورغان»، بروس كاسمان، فيتوقع حدوث تباطؤ حاد في الاقتصاد لكنه لن يؤدي إلى كسر سوق العمل.