تظهر استطلاعات الرأي الأميركية «دعماً قوياً» للأوكرانيين والتايوانيين بشكل عام، إلا أن من الجدير بالذكر أنه في هذه الاستطلاعات، يظهر الأميركيون الأفارقة مقاومة أكبر بكثير للتدخل العسكري الأميركي المحتمل في النزاعات مع روسيا والصين في أوروبا وآسيا أكثر من الجماعات العرقية الأخرى.
ووفقاً لموقع «ريسبونسبل ستيتكرافت»، كشف استطلاع للرأي، أجراه «مجلس شيكاغو للشؤون العالمية»، وهو مؤسسة فكرية تعنى بالشؤون العالمية، في ديسمبر الماضي، أن ما يقرب من ثلاثة من كل 10 أميركيين سيدعمون إرسال قوات عسكرية لدعم أوكرانيا وتايوان، ما يشير إلى تراجع نسب التأييد مقارنة مع شهر أبريل الماضي.
وأظهر استطلاع للرأي، أجرته «مؤسسة كارنيجي للسلام الدولي»، التي تتألف بالكامل من الأميركيين الأفارقة، في سبتمبر 2022، أن اثنين فقط من كل 10 مشاركين يؤيدون إرسال قوات عسكرية أميركية لدعم أوكرانيا أو تايوان.
هذا يتماشى مع الاستطلاعات السابقة. على سبيل المثال، في استطلاع أجرته جامعة كوينيبياك في أبريل 2022، كان الأميركيون الأفارقة أقل ميلاً لإظهار دعم الولايات المتحدة لبذل المزيد من الجهود لدعم أوكرانيا، ولو كان ذلك يعني زيادة خطر دخول الولايات المتحدة في حرب مع روسيا. كان 11% فقط من الناخبين الأميركيين من أصل إفريقي على استعداد للمخاطرة بالحرب مع موسكو، مقارنة بـ22% من الناخبين البيض، و17% من الناخبين من أصل إسباني، الذين شعروا بالطريقة نفسها.
كما أفاد استطلاع للرأي، أجرته شركة «يوجوف» لتحليلات البيانات في أغسطس 2022، أن 28% من المشاركين الأميركيين من أصل إفريقي يعتقدون أن «الولايات المتحدة يجب أن تساعد في حماية تايوان عسكرياً من الصين». هذه النتيجة أقل بكثير من الأميركيين البيض (46%)، والمشاركين الذين صنفهم الاستطلاع على أنهم «آخرون» (48%). كان المشاركون من أصل إسباني (29%) هم المجموعة العرقية الأخرى الوحيدة التي تحمل مشاعر مماثلة للأميركيين الأفارقة.
تتمثل إحدى الفوائد الرئيسة لهذه الاستطلاعات المجزأة في أنها تسمح بتحليل البيانات لتحديد الاختلافات التي قد تمر دون أن يلاحظها أحد في استطلاعات الرأي، التي تجمع عادة بين المجموعات العرقية.
ويكشف مسح «كارنيجي» أن دعم الحرب هو الأضعف بين العديد من المجموعات التالية: الأميركيون من أصل إفريقي من ذوي الدخل المنخفض، والأجيال من الأميركيين الأفارقة (الذين يقيمون في الولايات المتحدة لأكثر من ثلاثة أجيال)، والنساء، والديمقراطيون.
وأفادت الأسر التي يقل دخلها عن 50000 دولار سنوياً (492 مشاركاً) عن دعمها لأوكرانيا وتايوان بنسبة 17% و16% على التوالي.
وبالمقارنة، دعمت الأسر التي يزيد دخلها على 80 ألف دولار سنوياً (156 مشاركاً) إرسال قوات إلى أوكرانيا وتايوان بنسبة 26% و25% على التوالي.
وأفاد المستطلعون الذين أقاموا في الولايات المتحدة لأكثر من ثلاثة أجيال (865 مشاركاً) بدعمهم لإرسال قوات إلى كل من أوكرانيا وتايوان بنسبة 17%. وبالمقارنة، أفاد المولودون في الخارج (120 مشاركاً) بدعمهم لأوكرانيا وتايوان بنسبة 30% و25%.
أفاد الرجال (534 مشاركاً) بدعمهم لإرسال قوات إلى أوكرانيا وتايوان بنسبة 24% و25%، بينما أفادت النساء (604 مشاركين) بإرسال قوات إلى المنطقتين بنسبة 18% و15%.
ربما يكون الانتماء السياسي هو المقياس الأبرز، ويؤيد الأميركيون الأفارقة الذين يُعرفون بأنهم ديمقراطيون إرسال قوات إلى أوكرانيا وتايوان بنسبة 22% و20%.
ومع ذلك، يؤيد الجمهوريون الذين شملهم الاستطلاع إرسال قوات إلى أوكرانيا أو تايوان بنسبة 38% و44%.
تجدر الإشارة إلى أن هناك تحولاً في طريقة تفكير اليسار واليمين الأميركيين في المشاركة العسكرية الأميركية. لقد أبدت قيادة الحزب الديمقراطي تضامنها مع القضية الأوكرانية، وتغزلت بفكرة الدفاع عن تايوان عسكرياً في حالة حدوث حرب مع الصين في مناسبات عدة.
ينعكس هذا في معظم استطلاعات الرأي للأميركيين الذين يُعرفون بأنهم ديمقراطيون، بما في ذلك استطلاع «مجلس شيكاغو» في ديسمبر الماضي، حيث كانوا أكثر استعداداً لإرسال قوات للدفاع عن أوكرانيا مقارنة بنظرائهم الجمهوريين بنحو 10 نقاط مئوية.
لايزال مجتمع الأميركيين من أصل إفريقي يتأثر بشكل غير متناسب بالتفاوتات في الدخل والرعاية الصحية والتعليم.
فمجتمعاتهم – مثل فلينت، ميتشيغان وجاكسون، ميسيسيبي – مبتلاة بالعنصرية البيئية. كانت احتجاجات جورج فلويد عام 2020 بمثابة تذكير مؤلم بأن الانقسامات العرقية لاتزال موجودة في أميركا.
الأميركيون الأفارقة، خصوصاً الرجال، ممثلون حالياً بشكل زائد في الجيش الأميركي، مقارنة بنسبتهم من عموم السكان المدنيين.
بالنظر إلى التاريخ والمخاوف المحلية اليوم، يجب فهم بيانات مسح «كارنيجي» على أنها كشف حساب من قبل الأميركيين الأفارقة لما سيعنيه التزام آخر بالحرب من حيث التكاليف الاقتصادية والاجتماعية لمجتمعاتهم.
ووفقاً لـ«ريسبونسبل ستيتكرافت»، فإن الاستطلاعات أعلاه ليست سوى لمحة عن شعور الأميركيين الأفارقة – السكان الذين خدموا بفخر في كل صراع عسكري أميركي – تجاه قرارات السياسة الخارجية الجادة التي يمكن أن تؤثر في حياتهم ومجتمعاتهم، ربما بشكل غير متناسب.
لايزال من غير الواضح ما إذا كانت نخب واشنطن تقدر الرأي العام الأميركي بشأن الشؤون العالمية أم لا.
خلال الصراعات العسكرية في القرن العشرين، الحرب العالمية الأولى، والحرب العالمية الثانية، وكوريا، وفيتنام، شارك الملايين من الأميركيين الأفارقة في هذه الحملات العسكرية الأجنبية، التزاماً بالديمقراطية الأميركية والخدمة العامة، ولكن في نهاية هذه الصراعات الدموية، عاد العديد من قدامى المحاربين من أصل إفريقي إلى ديارهم لمواجهة العنف العنصري، والحرمان من استحقاقات قدامى المحاربين، والقتال من أجل حقوقهم.