بين الرسمي والشعبي، يشهد معرض أبوظبي الدولي للكتاب في دورته الـ33، مشاركة نوعية للدولة ضيف الشرف لهذا العام جمهورية مصر العربية، وهي المرة الأولى التي يتم فيها اختيار دولة عربية لتحل ضيفة شرف على المعرض، كذلك هي المرة الأولى التي يتم فيها اختيار الشخصية المحورية من الدولة نفسها ضيفة الشرف.
ولم تقتصر المشاركة المصرية على دور النشر والعدد الكبير من الكتّاب والأدباء والفنانين والإعلاميين المشاركين في فعاليات وبرامج المعرض المختلفة، إذ كان للثقافة الشعبية نصيب كبير، والتي حضرت ملامحها في قلب المعرض، بداية من العروض الأدائية الشعبية التي تجول أروقة المعرض، مثل التنورة والعزف على الآلات الموسيقية الشعبية ورقصات منطقة أسوان والنوبة الفلكلورية وغيرها بما يبرز التنوّع الثقافي في المجتمع المصري. واستطاعت هذه العروض أن تستقطب زوار المعرض من مختلف الجنسيات والأعمار.
سور الأزبكية
ومن قلب الثقافة المصرية الشعبية ومن شوارع القاهرة، استحدث معرض أبوظبي للكتاب هذا العام «سور الأزبكية»، الذي يحاكي سوق الأزبكية القديم والعريق في منطقة وسط المدينة في العاصمة المصرية، والذي تضمن الكثير من الإصدارات القديمة التي توثق للتاريخ في المنطقة العربية وفي دولة الإمارات والعلاقة الوثيقة التي ربطت بينها وبين مصر، وبرزت في ما نشرته الإصدارات المصرية منذ منتصف القرن الماضي تقريباً.
وأعرب مدير مؤسسة الأرشيف العربي للتراث محمد صادق لـ«الإمارات اليوم»، عن سعادته بالمشاركة في معرض أبوظبي الدولي للكتاب في الجزء الذي يحمل اسم الأزبكية، والذي يستلهم فكرة السوق الشعبي الأشهر للكتب في مصر، مشيراً إلى أن مؤسسة الأرشيف بمثابة مركز للتوثيق، ولذلك يسعى إلى جمع كل ما يرتبط بالتاريخ العربي من منشورات وإصدارات سياسية واجتماعية وفنية صدرت على مدار قرن كامل، كما يجمع كل ما يرتبط بتاريخ الإمارات من 70 عاماً، بداية من 1954 من خلال كل ما كتب عنها.
وأشار إلى أن كل المعروضات لديه هي مواد أصلية وليست صوراً، وتتنوّع بين صحف ومجلات وكتب بلغات مختلفة، بما يُشكل أرشيفاً ضخماً للإمارات، يوثّق لتاريخها ومواقفها المشرفة على مدى التاريخ، ومسيرتها نحو التطور، وهو محتوى مهم للأجيال الجديدة، موضحاً أن هذه المعروضات بعضها توثيقي ليس للبيع، والآخر توجد منه نسخ مكررة ولذا يُتاح للبيع.
وعن أقدم المعروضات لديه، ذكر أنها العدد الأول من جريدة الأهرام الصادر في القاهرة في 1876، والعدد الأول من مجلة المصور الصادر في 1924، والعدد الأول من مجلة الفكاهة التي صدرت في 1925، وغيرها من النوادر، التي تسهم في تعريف الأجيال بتاريخها وماضيها، إلى جانب كتب وإصدارات عن الأديب الراحل نجيب محفوظ ومؤلفات له حتى يواكب اختياره الشخصية المحورية في المعرض.
علاقات متميزة
ومع بداية إطلاق برنامج ضيف الشرف، أكد مسؤولون من الإمارات ومصر أن العلاقات التي تربط بين الدولتين تاريخية ومتجذرة في كل المجالات، مشيرين إلى أن اختيار مصر الدولة ضيف الشرف لمعرض أبوظبي للكتاب في دورة هذا العام يعكس مدى عمق هذه العلاقات وتميزها، معربين عن تطلعاتهم لأن يسفر هذا التعاون عن إطلاق مزيد من المشاريع الثقافية المشتركة بين البلدين.
وقالت وزيرة الثقافة المصرية الدكتورة نيفين الكيلاني، خلال جلسة نظمت مساء أول من أمس، في المعرض للإعلان عن إطلاق فعاليات الدولة ضيف الشرف، إن «اختيار مصر ضيف شرف لمعرض أبوظبي الدولي للكتاب، إضافة إلى اختيار نجيب محفوظ شخصيته المحورية، يؤكد عمق الروابط بين مصر والإمارات». فيما أشاد رئيس الهيئة المصرية العامة للكتاب الدكتور أحمد بهي الدين، بالعلاقات المتميزة بين البلدين، مضيفاً «مشاركة مصر كضيف شرف، علامة فارقة في الثقافة العربية، قائمة على المحبة التي تتميز بها العلاقة بين مصر والإمارات، نتيجة العمل المشترك في قرن التحولات الكبرى، ما يجعلنا ندرك أن الثقافة مسألة حياة ووجود».
من جانبه، قال رئيس مجلس إدارة مؤسسة مكتبة محمد بن راشد آل مكتوم، محمد المر، إن «مصر كانت ومازالت الضيف الأول للثقافة العربية على مستوى كامل المعارض المنظمة داخل دولة الإمارات». واستذكر المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، الذي كان حريصاً على التذكير بدور مصر الحضاري والسياسي والثقافي العام.
وأضاف: «كان المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، يوصي خيراً بمصر، وألا عزّ ولا تقدم للعرب إلا بمصر؛ وبقيت هذه الوصية الخالدة لأبناء الإمارات والقيادة الرشيدة».
من ناحيته، عبر رئيس مركز أبوظبي للغة العربية الدكتور علي بن تميم، في مداخلته، عن سعادته لوجود مصر ضيف شرف المعرض. وقال «نحن جميعاً موجودون كضيوف معززين لدى جمهورية مصر العربية». وشدّد على أن مصر حاضرة ومؤثرة بكتّابها ودور نشرها منذ الدورة الأولى للمعرض.
• معرض هذا العام استحدث «سور الأزبكية» الذي يحاكي السوق المصري الشهير للكتب القديمة.
محمد صادق:
• نسعى إلى جمع كل ما يرتبط بالتاريخ العربي من منشورات صدرت على مدار قرن كامل.
رحلة تاريخية
يرتحل جناح مصر في معرض أبوظبي للكتاب الذي يستمر حتى الخامس من الشهر الجاري في مركز أبوظبي للمعارض (أدنيك) في التاريخ ليستلهم المرحلة الفرعونية، إذ صمم الجناح على هيئة صرح أثري، وزُيّن بكتابات هيروغليفية، وشعار: «نصنع المعرفة.. نصون الكلمة».
بينما ينقل جناح الشخصية المحورية لهذا العام الكاتب العالمي نجيب محفوظ، الزوار إلى قلب القاهرة الإسلامية بمبانيها العتيقة التي تتزين بالمشربيات الشهيرة، والتي كانت محوراً للعديد من كتابات وروايات أديب نوبل الراحل التي يلعب المكان دوراً رئيساً فيها، كما في الثلاثية الشهيرة «بين القصرين» و«قصر الشوق» و«السكرية»، وكذلك روايات «الحرافيش» و«أولاد حارتنا». ويستعرض الجناح مسيرة محفوظ وعطاءه في مجال الأدب والسينما، وحتى حصوله على جائزة نوبل في الآداب ليكون أول كاتب عربي يحصل على هذه الجائزة المرموقة.