يرى المحلل السياسي الأميركي بنيامين غيلتنر، أنه مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية الأميركية التي ستجرى بعد نحو شهر تقريباً، يواصل المحللون والخبراء التكهن بتحديد الأشخاص الذين سيضمهم أحد المرشحين الرئاسيين كامالا هاريس أو دونالد ترامب، إلى إدارته في حال فوزه، ولكن هناك نقطة مهمة يتم تجاهلها، وهي نوع الشخص الذي سيتولى منصب وزير الدفاع، بمعنى آخر، هل ستعين إدارة هاريس أو ترامب مدنياً أم عسكرياً لتولي هذا المنصب؟
ويؤكد القانون الأميركي أن وزير الدفاع يمكن «أن يعينه الرئيس من الحياة المدنية، بمشورة مجلس الشيوخ» فقط. ومع ذلك، كانت هناك ثلاثة استثناءات لهذه القاعدة، اثنان منها في عهدي ترامب والرئيس الحالي جو بايدن. ويقول غيلتنر، الحاصل على ماجستير في الشؤون الدولية، في تقرير نشرته مجلة «ناشيونال إنتريست» الأميركية، إنه يتعين على الإدارة الأميركية المقبلة العودة إلى الأساس، وتعيين مدني وزيراً للدفاع. ويبدو تعيين ضابط عسكري سابق في المنصب أمراً مفهوماً ظاهرياً. وعموماً، فإن العاملين في الخدمات المسلحة يتمتعون بخبرة كبيرة في مجال الحرب، لا يمكن لمعظم المواطنين التمتع بها. ومع ذلك، فإنه رغم أن المعرفة بأمور الحرب حاجة واضحة بالنسبة لوزارة الدفاع، فإنها مجرد جزء من مهمة الوزارة.
ويوضح غيلتنر أن منصب وزير الدفاع يعدّ جسراً بين السياسة والحرب، فالوزارة تطور الاستراتيجية الدفاعية لأميركا، والتي تنطوي على اعتبارات سياسية، ومجتمعية، واقتصادية، وليس مجرد اعتبارات عسكرية فقط. وعلى سبيل المثال، تشمل بعض مهام المنصب اتخاذ القرار بشأن توزيع مخصصات التمويل فيما بين كل فرع من فروع القوات المسلحة والمساعدة على تحقيق وتوفير وضع قوة تقليدية ونووية لتظل أميركا آمنة.
ويرى غيلتنر أن تعيين مدني وزيراً للدفاع يحول دون إظهار الوزارة أي تفضيل لفرع عسكري على الفروع الأخرى. ويقول عاملون سابقون في وزارة الدفاع في عهد الوزير روبرت ماكنامارا – بصورة مقنعة إلى حد ما – إن أي مسؤول مدني في منصب وزير الدفاع من المرجح أن يبحث ويوازن أدوار واحتياجات كل فرع عسكري لتحقيق استراتيجية الأمن القومي الأميركي بصورة أكثر موضوعية من أي مسؤول عسكري كبير سابق.
ويؤكد غيلتنر أن تعيين وزير دفاع مدني من شأنه أن يعزز الثقة بالرئاسة والدستور الأميركي، ونظراً لشعور كثير من الأميركيين حالياً بأنهم معزولون عن أولئك الذين يديرون الحكومة، سيكون من غير الحكمة مفاقمة نقص الثقة المتزايد الموجود بين المواطنين ووزارة الدفاع.
وقد سعى مؤسسو أميركا بوضوح إلى تجنب تركيز السلطة العسكرية. وفي حالة وجود مدني مسؤولاً عن الدفاع الوطني الأميركي، فإنه يمكن أن يعدّ المؤسسة العسكرية الأميركية مسؤولة عن المبادئ الديمقراطية للبلاد، وتعمل كعامل توازن لتأثيرات رئاسة الأركان المشتركة على قرارات الرئيس.
ويرى غيلتنر أن عسكرة قيادة وزارة الدفاع الأميركية توسع نطاق الهوة بين المدنيين والمنتمين للمؤسسة العسكرية، وإذا لم يفهم صانعو السياسات المدنيون المؤسسة العسكرية، فإنهم سيبالغون في تقدير سلطتها. وفي السياسة الدولية، تعدّ المؤسسة العسكرية مهمة، لكن هناك حدوداً بالنسبة لها فيما يتعلق بالاستحواذ على السلطة في المجال الدولي. ويؤكد غيلتنر أن قيادة أي مدني لوزارة الدفاع لا يضمن بالضرورة صنع سياسة دفاعية بارعة. فبعض وزراء الدفاع المدنيين دعموا حروباً كارثية، مثل حرب فيتنام، وفي المقابل ساعد آخرون على تنفيذ استراتيجيات نووية مبتكرة حافظت على سلامة أميركا، وحالت دون اندلاع حرب نووية.
ويرى المحلل الأميركي أن قيادة شخص مدني لوزارة الدفاع سيؤدي على الأقل إلى استئناف الالتزام بالعرف الأساسي، وهو وجود وزارة يحكمها مدني. ومن المأمول أن يسهم في تقديم بعض الأفكار الجديدة لوزارة في حاجة ماسة للابتكار. واختتم غيلتنر تقريره بالقول إنه في ظل المخاوف من حدوث تراجع ديمقراطي في أميركا، وظهور عهد جديد من التنافس بين الدول الكبرى، سيكون تعيين مدني لقيادة وزارة الدفاع مكسباً سهلاً لأميركا.
• أي مسؤول مدني في منصب وزير الدفاع من المرجح أن يبحث ويوازن أدوار واحتياجات كل فرع عسكري لتحقيق استراتيجية الأمن القومي الأميركي بصورة أكثر موضوعية من أي مسؤول عسكري كبير سابق.