بدموع فرح، وبتواضع حقيقي، تروي المبدعة الإماراتية، هند المازمي، حكاية تبرّعها بكليتها لأمها التي عانت لسنوات طويلة قصوراً كلوياً حاداً، عايشت ابنتها محطاته المضنية، لتكتب بجزء منها أجمل حكاية عطاء، مؤكدة في مستهل حوارها مع «الإمارات اليوم» أنها لم تكن تفكر سوى في أن تعود «ست الحبايب» إلى حياتها الطبيعية، بعيداً عن الغسيل الكلوي، ومحنة الأدوية والعلاجات التي أرهقتها لسنوات.
وأضافت «لم أشعر يوماً بالفخر بما قدمته لوالدتي التي أعتبرها مثلي الأعلى، فأمي هي بطلة الحكاية في الحقيقة، أما أنا، فلم أرغب في شيء أكثر من الإسهام في وضع حد لمعاناتها الطويلة مع المرض»، في الوقت الذي واصلت فيه هند بعد هذه التجربة مشوار العطاء ببرنامج سفراء «حياة»، وتلعب دوراً في تثقيف وتشجيع أفراد المجتمع على التبرع بالأعضاء، لإحياء أمل جديد، وإحداث تغيير إيجابي.
مرحلة الاكتشاف
واسترجعت هند القصة من البدايات، وتحديداً عام 2013، ومرحلة اكتشاف والدتها إصابتها بالفشل الكلوي الذي واظبت بعده على «الغسيل»، قبل أن يقرر الأطباء إخضاعها لعملية زراعة لم يكتب لها النجاح بعد ثمانية أشهر من المعاناة. وقالت «رافقت والدتي في رحلة علاجها، إلى أن أصبح الوضع صعباً ومعقداً، وذلك بعد عودتها من جديد إلى الأدوية وغسيل الكلى ثلاث مرات أسبوعياً، ما دفع الأطباء إلى طرح فكرة زارعة الأعضاء. كانت رحلة طويلة ومجهدة، أخذت مني خمسة أعوام، حاولت فيها مراراً، برفقة العائلة، إقناع أمي بضرورة قبول تبرعي لها بكليتي، بعد أن عكست نتائج التحاليل والاختبارات تطابقاً كبيراً بيننا، لدرجة أوضح فيها الطبيب المشرف على علاجها، أن نسبة نجاح العملية عالية جداً، لأن أنسجتي كانت حسب قوله (توأماً) لها».
ولفتت الكاتبة الإماراتية إلى تضافر الظروف وتجارب القصص التي ساعدتها على إقناع والدتها بخوض هذه التجربة، وأهمها معايشتها لحكاية تبرع صديقة لها بكليتها لوالدتها، وقصة تبرع أحد زملائها في العمل لابنته المريضة، فضلاً عن الجهود الحثيثة التي بذلها أعضاء الطاقم الطبي لإقناعها بالأمر، وتأكيدهم لها آنذاك على شبه انعدام المخاطر التي يمكن أن تلحق بابنتها مستقبلاً.
وأكملت هند: «في مارس 2020، حُدد موعد لإجراء عملية نقل الكلية، لكن جائحة (كوفيد ـ 19) اضطرتنا للعودة إلى محطات المعاناة مع غسيل الكلى، حتى شهر أغسطس 2022، وقرار الأطباء في الولايات المتحدة إجراء العملية، لكن إصابتي أنا ووالدتي بفيروس كورونا أجّلت الموعد إلى 13 أكتوبر من العام نفسه. حينها، لم أشعر بالخوف، وإنما انتابني قلق على صحة أمي، وخشيت أن تغير رأيها في اللحظات الأخيرة، إذ لم أكن أفكر إلا في عودة أمي إلى حياتها الطبيعية، وتجاوزها محنة الأدوية والعلاجات التي أثقلت كاهلها طوال كل هذه السنوات».
لحظات حاسمة
وتروي هند تفاصيل نقل كليتها إلى والدتها التي بدأت جراحتها في تمام الساعة التاسعة صباحاً لتنتهي في غضون الثانية بعد الظهر. بعدها، تم بدء عملية الزرع الناجحة للوالدة: «استمرت عملية أمي ما يقارب تسع ساعات، صحوت خلالها على آلام مبرحة، اندفع بسببها الطاقم الطبي إلى حقني بالمسكنات، لأستيقظ صبيحة اليوم التالي على خبر سار زفه لي طبيبها المباشر، مؤكداً أنها بحالة جيدة، وأنه لم يرها بهذه النضارة منذ أكثر من 10 أعوام.. بكيت من الفرح، وطلبت الذهاب إلى غرفة أمي لرؤيتها، ولحسن حظي كانت مستيقظة، وفي كامل صحتها».
وعلى الرغم من نجاح عملية نقل الكلية، فإن هند بقيت إلى جوار والدتها في الولايات المتحدة لما يقارب ستة أشهر، فيما أكملت الأم بالمكان، بناءً على تعليمات الطاقم الطبي المختص، عاماً كاملاً، وذلك لتفادي التقاطها لأي فيروسات أو بكتيريا.
وتابعت هند «ونحن نقترب اليوم من الذكرى الثانية لهذه التجربة، أشعر بالامتنان العظيم والشكر لله الذي كافأني بعد كل هذه اللحظات الصعبة، بمحبة الناس، وبلقاء أشخاص جدد أعادوا تشكيل مفاهيم وحقائق عدة في حياتي، مثل المحبة والرحمة والتعاون والتفاني في خدمة الآخرين الذي بدأت بتجسيده من بوابة تجربتي الجديدة سفيرة لبرنامج (حياة) التابع لوزارة الصحة ووقاية المجتمع، الذي منحني فرصة لحضور مؤتمراته كمتبرعة، لمشاركة تفاصيل تجربتي مع التبرع، وإلهام الناس بهذه الخدمة الإنسانية العظيمة التي تعلمت فيها أن الرقي والرفعة ليس في ما نملكه من مال أو جاه، وإنما في قدرتنا كبشر على رسم الابتسامة على وجه حزين».
تغيُّر نمط الحياة
حول مرحلة ما بعد التبرع، قالت هند المازمي إن نمط حياتها تغير، إذ صارت اليوم تلتزم بتعليمات غذائية وأنظمة معيشية معينة تحافظ على الصحة، وأبرزها ضرورة مواظبتها على شرب الماء بما لا يقل عن ثلاثة لترات يومياً، والإكثار من تناول الخضار والفواكه، إضافة إلى الابتعاد عن تناول الملح، وتفادي المبالغة في الوجبات السريعة والمشروبات الغازية قدر الإمكان، ثم ممارسة التمارين الرياضية بشكل منتظم، وتوخي أسلوب حياة صحي، وهو ما اعتادته هند مع مرور الوقت.
توثيق المشاعر
كشفت الكاتبة هند المازمي عن رغبتها في أن تتاح لها يوماً فرصة نقل تجربتها مع والدتها، وتوثيق مختلف مراحلها ولحظاتها الحاسمة بأسلوب أدبي تفصح من خلاله عن مشاعرها خلال تلك المرحلة.
هند المازمي:
نتائج التحاليل أظهرت تطابقاً كبيراً بيننا، لدرجة أن الطبيب أكد أن نسبة نجاح العملية عالية جداً لأن أنسجتي كانت حسب قوله «توأماً» لها.
بكيت من الفرح بعد أن أخبرني الطبيب بنجاح الجراحة، وطلبت الذهاب إلى غرفة أمي لرؤيتها، وكانت مستيقظة وفي كامل صحتها.
• 13 أكتوبر 2022 أجريت زراعة الكلى للأم.. لتمر أمس الذكرى الثانية لـ«قصة عطاء هند».
لمشاهدة فيديو قصة عطاء هند المازمي، يرجى الضغط على هذا الرابط.