يرى الباحث سيونغ هوان كيم أن النقاش بشأن الأسلحة النووية في كوريا الجنوبية تزايد وأصبح أكثر أهمية واستقطاباً. وتسيطر استراتيجيتان رئيستان على المناقشات، تتعلق الأولى بتحقيق ردع مستقل ضد كوريا الشمالية من خلال برنامج نووي مستقل. وقال سيونغ هوان كيم، وهو باحث مقيم في واشنطن العاصمة في مؤسسة كوريا، وزميل باحث في مؤسسة فانجارد للأبحاث، إن الاستراتيجية الثانية تركز على تقوية المظلة النووية الأميركية، بما في ذلك اتخاذ إجراءات، مثل المشاركة النووية، وإعادة نشر أسلحة نووية تكتيكية، وتعزيز الردع الممتد.
وأضاف سيونغ هوان كيم، الذي عمل في المعهد الاقتصادي الكوري، ومعهد الدراسات الكورية في تقرير نشرته مجلة «ناشيونال إنتريست» الأميركية، أن هذه الاستراتيجية تبلورت أكثر في الخطوط الاسترشادية الأميركية الكورية المشتركة للردع النووي بشأن التكامل التقليدي- النووي خلال قمة حلف شمال الأطلسي (الناتو).
وتشير استطلاعات الرأي الأخيرة إلى أن 71% من الكوريين الجنوبيين يدعمون تطوير ترسانة نووية محلية، مدفوعين بالمخاوف من القدرات النووية لكوريا الشمالية، وتعاونها العسكري المتزايد مع روسيا. وفي الوقت نفسه، يؤيد سياسيون محافظون، مثل الحاكم كيونج وون نا، برنامجاً نووياً. ووفقاً لوجهة النظر هذه، يتعين على كوريا الجنوبية أن تسلح نفسها بأسلحة نووية، لضمان الأمن القومي، وللرد على تهديدات محتملة على نحو مستقل.
ومع ذلك، هناك معارضة كبيرة، حيث يؤيد الكثير من الاستراتيجيين وصنّاع السياسة تقوية آليات الدفاع، والاعتماد على المظلة الأمنية الأميركية، ويعتقدون أن قدرات كوريا الجنوبية العسكرية التقليدية، مع الدعم الأميركي، توفر ردعاً مناسباً، ويحذرون من أن أي تطوير نووي يمكن أن يؤدي إلى عقوبات دولية، ويعرقل التحالف بين الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية ويتسبب بسباق تسلح إقليمي.
وفي ظل المناقشات الجارية في كوريا الجنوبية، قال الباحث إنه يقترح خياراً ثالثاً، يتمثل في امتلاك تكنولوجيا أكثر قوة لتخصيب اليورانيوم، وإعادة المعالجة النووية لزيادة الكمون النووي. ومع مراعاة قدراتها العالية على الردع، يجب على كوريا الجنوبية أن تبحث بشكل جدي عن تحقيق كمون نووي من خلال تخصيب اليورانيوم، وإعادة المعالجة النووية.
وتابع الباحث أن هذا سوف يسمح لها بتطوير القدرة على إنتاج أسلحة نووية بدون القيام بذلك فعلياً، وبالتالي عدم انتهاك معاهدة منع الانتشار النووي، وهذه استراتيجية تطبقها اليابان بنجاح. وبمقدور دول لديها قدرة نووية كامنة محتملة أن تنفذ استراتيجية هجوم نووي مضاد «متأخر»، وهذا يعني أنه إذا تمت مهاجمة مثل هذه الدولة، فإنها تستطيع شن هجوم نووي في غضون أسابيع أو شهور، وبالتالي، ردع العدوان الأولي.
ويتمثل أحد بواعث القلق فيما إذا كانت كوريا الجنوبية مستعدة على نحو مناسب لتحقيق التوازن في علاقاتها بين الولايات المتحدة والصين، مع الوضع في الاعتبار عدم اتساق سياستها الخارجية. واتسم نهج كوريا الجنوبية بالتقلب مع الإدارات المختلفة، حيث تعزز الحكومات المحافظة عادة علاقاتها مع الولايات المتحدة والدول ذات التفكير المماثل.
وفي المقابل، تهدف الإدارات التقدمية إلى تحقيق توازن في العلاقات من خلال تحسين الصلات مع الصين بجانب الحفاظ على التحالف مع الولايات المتحدة والتواصل مع كوريا الشمالية. ويمكن أن يخلق عدم الاتساق هذا تحديات بالنسبة للتخطيط الاستراتيجي على المدى الطويل عند التعامل مع واشنطن. وإذا تعين على الولايات المتحدة أن تسمح بالكمون النووي لكوريا الجنوبية، فإن ذلك سيكون مرتبطاً بشروط بأن تتبع سياستها الخاصة بالصين.
وسمح تعديل اتفاقية التعاون النووي بين كوريا الجنوبية والولايات المتحدة في عام 2015 لكوريا الجنوبية بتخصيب اليورانيوم بأقل من 20% بموافقة الولايات المتحدة، بينما لايزال يمنع معالجة الوقود النووي المستنفد أو اليورانيوم عالي التخصيب. ورغم ذلك، فإن هذا غير كافٍ للحصول على الكمون النووي، مع مراعاة أن تخصيباً بنسبة 90%، يُعدُّ أمراً ضرورياً للحصول على يورانيوم يستخدم في صنع أسلحة. وبالتالي، سيكون من الضروري تعديل الاتفاق النووي بين الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية، لزيادة التخصيب إلى أكثر من 20%.
وفي الوقت نفسه، من أجل ضمان أن تمضي المفاوضات مع الولايات المتحدة بشكل سلس، فإن من المهم مواصلة بناء الثقة الثنائية من خلال زيادة الشفافية، والتمسك بالمعايير الدولية.
ويُعدُّ نهج اليابان على مدار 15 إلى 20 عاماً، والذي تميّز بزيادة الشفافية والتحسينات المتواصلة في التكنولوجيا النووية، نموذجاً قيّماً بالنسبة لكوريا الجنوبية. وبمقدور سيؤول أيضاً تطبيق ذلك باتباع المعلومات وتحديثها من خلال المجموعة الاستشارية النووية الكورية الأميركية، ونموذج البروتوكول الإضافي للوكالة الدولية للطاقة الذرية.
وبوصفها دولة تعطي أولوية لمنع الانتشار النووي، فإن الولايات المتحدة بالفعل لها أسبابها الوجيهة لرفض طلب كوريا الجنوبية. مع ذلك، تمثل التوترات الجيوسياسية الحالية تحديات للوضع الراهن الذي تدعمه الولايات المتحدة. ويشير التقرير السنوي لوزارة الدفاع الأميركية لعام 2023 بشأن القوة العسكرية الصينية إلى أن جهود الصين الحالية للتحديث النووي «تفوق محاولات سابقة من حيث الحجم والتعقيد».